وجوب حفظ اللسان مما يوجب الردة من الأقوال والألفاظ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5785)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
كنت أتحدث ذات يوم مع أحد الشباب عن مسائل شرعية، وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، فقال: (هناك أسئلة كثيرة تحيرني، لو وجدت عالمًا يجاوبني عليها ربما يخرج من الإسلام) في زعمه، فهل هذا القول يعدُّ ردةً عن الإسلام؟ مع العلم أنه قال هذه الكلمة ولم يعتقد الكفر، ولم يصدر منه تصرف ينافي الإسلام، وبعد أن قال هذه الكلمة ندم فورًا، واستغفر الله.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلعل قصد السائل من قوله (لو وجدت عالمًا يجاوبني عليها ربما يخرج من الإسلام) أنه إن لم يجد عالما يجيبه فسيخرج من الإسلام).
والواجب على السائل وغيره من كل مسلم أن يعظِّم ما عظّمه الله، وأن يصون لسانه عما لا يجوز له التلفظ به، فلا يتكلم بكلمة أو يفعل فعلًا حتى يعلم حكم الله في ذلك، قال القرافي رحمه الله: “كُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا أَوْ قَالَ قَوْلًا أَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مِنَ الْمُعَامَلَاتِ أَوْ غَيْرِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ الله تَعَالَى فِي ذَلِك”، ونقل الإجماع على ذلك. [الذخيرة: 6/28].
فلا تنبغي الاستهانة بخطر اللسان، فرُبَّ كلمة قالها الإنسان لا يُلقي لها بالًا، كانت سببًا في شقائه وخسرانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) [الترمذي: 2314، وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ]، وقال لمعاذ رضي الله عنه: (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ) [الترمذي: 2616، وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ].
أما فيما يتعلق بما تلفظ به الشاب المذكور، فإن كان قصده الإنشاء بالتعليق الذي ذكره، أنه إن لم يجد من يجيبه يرتد عن الإسلام، فليس ذلك بردّة، لأنّ التعليق الذي ذكره لا تنعقد به يمين، قال النفراوي رحمه الله: “(وَمَنْ قَالَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (أَشْرَكْت بِاَللَّهِ) أَوْ كَفَرْت بِاَللَّهِ (أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ) قَاصِدًا نَفْسَهُ (أَوْ) قَالَ هُوَ (نَصْرَانِيٌّ) أَوْ يَكُونُ عَابِدَ صَنَمٍ أَوْ يَكُونُ خِنْزِيرًا (إنْ فَعَلَ كَذَا) أَيْ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَفَعَلَهُ (فَلَا يَلْزَمُهُ) شَيْءٌ (غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ)” [الفواكه الدواني: 1/417].
وأما إن كانت نيّتُه أن يخبر عن نفسه بالردّة، فإنَّ قوله يكون ردَّةً، يجب عليه التوبة منها، والرجوع عما قال، قال الدسوقي رحمه الله عند قول الشيخ خليل -فيما لا يكون ردة- “أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ”: “وَلَا يَرْتَدُّ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ كَاذِبًا فِيمَا عَلَّقَ؛ لِقَصْدِهِ بِذَلِكَ إنْشَاءَ الْيَمِينِ لَا إخْبَارَهُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ” [حاشيته على الشرح الكبير: 2/128].
والظاهر أن يكون قصدُ الشاب بما تلفَّظ به لومَ نفسه على ما يجيش بخاطره من الوساوس التي لا يجد لها حلًّا، بسبب جهله بما يجب عليه بدليل أنه سرعان ما ندم واستغفر كما ورد في السؤال. وهذا لا يضره ولا يخرجه عن الدّين.
وكذلك قوله في السؤال حسب تعبيره (إن وجدت عالما أجابني خرجت من الإسلام) يدل على خوفه من الردّة، وخوفُه من الكفر يجعله قد سلم منه.
وأيًّا كان قصده؛ فإنه ينبغي عليه عدم التلفظ بمثل هذه الأقوال، التي فيها جرأة على ما عظّمه الله تعالى؛ كما ننصحه بتعلّم ضروريات دينه، التي لا تصحُّ عبادتُه ولا تبرأ ذمتُه إلا بمعرفتها وتعلّمها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19// ربيع الأول// 1446هـ
22// 09// 2024م