بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4087)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
جاء في وثيقة لجدتنا: (… ذكر لأملاك الواهبة … أنها قد أوهبت لابنها س جميع وكامل الربع المذكور بما لها من حدود وحقوق وطرق داخلة وخارجة، وذلك رغبة منها في ثواب الله العظيم، شريطة أن يقوم بكل سنة اعتبارا من التاريخ يجعل ما يعرف بالتاليف كصدقة جارية تعهد بها الموهوب له طواعية وإلزاما، هذا وقد قبل الموهوب له فورا وحاز، قبول الملاك وحوزهم … ويستمر التاليف المذكور على من ذكر وعلى أولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا وامتد فرعهم في الإسلام … ذكر الشهود والتاريخ والمحرر …)، فهل يجوز لورثة س التنازل عن ربع المنزل لعمهم م؟ وما حكم الصدقة الجارية بعد وفاة هـ رحمه الله؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن الهبة إذا أريد بها وجه الله والرغبة في ثوابه فإنها تعدُّ صدقةً من المعطي، قال الخرشي رحمه الله: “… الْهِبَة أَوْ الْإِخْدَام أَوْ الْعُمْرَى أَوْ نَحْو ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْمُعْطِي بِمَا ذُكِرَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابَ الْآخِرَةِ صَارَ صَدَقَةً” [شرح المختصر للخرشي: 7/114]، وما كان لوجه الله ورغبة في ثوابه، فلا يجوز أن يشترط له من الشروط ما يخرجه عن باب الصدقات إلى المعاوضات، والشرط المذكور في وثيقة الصدقة عوض مجهول قدرًا وصفةً؛ إذ التاليف الملتزم به يختلف من وقت لآخر، وهو شرط مفسد للصدقة، كما اعتبر شرط النفقة في الصدقة مفسدًا لها، قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: “وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، فَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ، أَنَّ الَّذِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ يَغْرَمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَمَا اسْتَغَلَّ الَّذِي قَبَضَ الدَّارَ فَهُوَ لَهُ وَلَا يُقَاصُّهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِلدَّارِ فَصَارَ الْكِرَاءُ لَهُ بِالضَّمَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الصَّدَقَةِ هَهُنَا، إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ” [المدونة: 4/254]، وفيه كذلك إلزامٌ لنسلِ المتصدّق عليه بشيءٍ لم يرضوا به.
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فالصدقة المذكورة باطلةٌ، وترجع الأملاك الشائعة المذكورة من ربع المتصدقة إلى ورثتها جميعًا، يقسم بينهم حسب الفريضة الشرعية، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18// جمادى الأولى// 1441هـ
13// 01// 2020م