طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

وقف على الذكور دون الإناث

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5963)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقة حبس ما نصه: “أشهد على نفسه الحاج علي بن أحمد الغرياني أنه حبس على أبنائه الثلاثة الحاج محمد والحاج أحمد والحاج إبراهيم ولمن يزداد له من الذكور بقية عمره جميع ما يذكر -ثم ذُكرت حدود التحبيس- جميع ما ذكر على من ذكر ثم على أولادهم الذكور وأولاد أولادهم إلى آخر العقب ما تناسلوا… وجعل لابنتيه الموجودتين… ومن عسى يزداد له من البنات بقية عمره أن من تأيمت منهن… فإنها تأتي إلى الحبس وتستغل منه بقدر نصيبها على تقدير أن لو كان غير محبس، وكذلك جعل لبنات بنيه إلى آخر العقب مثل ما جعل لبناته، وكذلك للصغيرة من بناته وبنات بناته من الحبس تستغل وتتستر بقدر نصيبها حتى تستغني، وجعل المحبس المذكور لأبنائه المذكورين إلى آخر العقب القسمة والمناقلة فيما بينهم والمبايعة… والبيع للأجنبي إن أرادوا الانتقال من بلد تاجوراء، واستثنى المحبس ثلث الغلة يستغله ما دام بحال الحياة -ثم ذكر ملحق للتحبيس- ونصه: “ويليه الحمد لله وحده توافق عبد الحفيظ بن الحاج محمد بن علي المحبس ومحمد بن الحاج بن محمد اليوسفي الوكيل عن زوجته فطيمة شقيقة عبد الحفيظ المذكور لدى القاضي أحمد بن عمر… وتكالما لديه في شأن التحبيس… فالأول يريد صحته، والوكيل يريد بطلانه، كمثل موكلته، فلما تأمل الشيخ القاضي المذكور في عقد الحبس المذكور… وتأمل في فتوى الشيخين محمد بن مكرم والشيخ إبراهيم بن عبد النور أشهدنا على نفسه أنه حكم بصحة الحبس المذكور ورفع الخلاف الواقع ولزومه فيه…” انتهى.

والحدود المذكورة في الوثيقة ضائعة، بسبب تغير المعالم وتباعد الزمان، وتسلط الحكومات عليها بالاستيلاء إلّا فيما يعرف من جملة التحبيس، كالأراضي المستغلة مكبًّا للقمامة، والبراري الرعوية في ترهونة، فما حكم هذه الوثيقة؟ وهل يجوز لمن قام بتخليص الأرض أن يأخذ من باقي الورثة أجرة على عمله، نقودًا أو غيرها؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالحبس على الذكور دون الإناث محلُّ اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية، أنه غير جائز شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتَهُمْ مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُّ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ ‌خَالِصَةٌ ‌لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ﴾ [الأنعام: 139]” [المدونة: 423/4]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي: 88/5]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر، قال: “وَحَرُمَ -أَيْ الْوَقْفُ- عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.

والحبس على الذكور دون الإناث باطلٌ بالقانون الصادر سنة 1973م، المستند للفتوى الشرعية الصادرة من مفتي ليبيا السابق الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله، التي أيّدها قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، رقم (2) لسنة 1435هــ 2014م، ونصّه: “بُطْلَانُ مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَ صُدُورِ قَانُونِ الْإِلْغَاءِ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ…”.

وبما أن الحبس المذكور في السؤال صدر حكم بصحته قبل تاريخ صدور القانون بإلغائه، فإنه يمضي ويصحح العمل به؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، جاء في قرار المجلس البحوث: “إِمضاءُ مَا كانَ قَبْلَ صُدورِ قَانونِ الإِلغاءِ إِنْ حَكمَ حاكِمٌ بِصحّتهِ؛ لِأنَّ حُكمَ الحَاكمِ يَرفعُ الخِلافَ”.

ويجوز لمن سعى في تخليص الأرض أن يأخذ أجرة من باقي الورثة نظير سعيه وجهده، نقودا أو جزءا شائعا من الأرض إن تمّ تخليصها، قال ابن فرحون رحمه الله: في حكم الجعل على الخصومة على أنه فلج فله كذا وإلا فلا شيء له- قال : ” وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَائِزٌ … وَالرِّوَايَةُ بِإِجَازَةِ ذَلِكَ لِمَا بِالنَّاسِ مِنْ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ” [تبصرة الحكام: 1/184].

وعليه فلا حرج من المجاعلة على تخليص الأرض بجزء منها، وما يتحصل عليه من سعى في تخليص الأرض نظير عمله يجري عليه حكم الوقف من أن بيعه مقيد للموقوف عليهم لا لأجنبيٍّ.

وأما عن كيفية إثبات حدود الأراضي المحبسة، مع ضياعها بمرور الزمان وتغير المعالم؛ فيرجع فيه للجهات المختصة، والمخولة بالنظر في البينات والوثائق والشهادات العقارية، وفي حالة انعدمت المعرفة بعد بذل الوسع في ذلك، وبقي العلم بها إجماليا؛ فإنه يجوز للمحبس عليهم التعاون مع جيران الأرض، لوضع حدودٍ يتفق عليها على وجه المصالحة بينهم، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

10//رمضان//1446هـ

10//03//2025م  

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق