ما حكم بيع مخصص النقد الأجنبي (400$) قبل البدء في المعاملة؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3304)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم بيع مخصص النقد الأجنبي (400$) قبل البدء في المعاملة؟ وذلك بتحرير تنازل عن هذا الحق، وإعطاء الرقم الوطني وصورة من كتيب العائلة لمريد الشراء، مقابل مبلغ مالي، حيث إنّ بعض الناس لا يملك من العملة المحلية ما يمكّنه من صرف ما خُصِّص له من النقد الأجنبي؟
وهل هذه المعاملة من قبيل التنازل عن الحق بمال؟
أفيدونا بارك الله فيكم، علما أن هذه المعاملة منتشرة بكثرة بين الناس.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن هذه المعاملةَ جشعٌ واستغلالٌ لحاجة الناس، الذين لا يجدون نقدًا محليًّا يكفيهم لصرف العملة، وذلك خلافُ الغرضِ الذي جُعلت هذه الخدمةُ من أجله، في ظلِّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلد؛ لتيسير أمور الناس، وقضاء حاجاتهم، وتوفير النقد الأجنبي الذي صار حلمًا لهم بعيد المنال، ولم تُجعلْ للتجارة في العملة، والتحايلِ للحصول عليها؛ مما يساعد على احتكار الدولار لدى التجار، وزيادةِ الغلاء، والتضييقِ على العامة في عيشِهم وأقواتِهم.
وعليه؛ فإنّ ما يقوم به بعضُ الناس مِن التجارةِ بشراء هذه المخصَّصاتِ، متجاوزينَ القدرَ المسموحَ لهم في النقد الأجنبي، لا يجوز؛ لأنهم يتحايلون على العوائق القانونية، بالتزويرِ بما صورته أنه شراء لصاحب الكتيب، وحقيقته أنه لشخص آخر، يكررُ شراء النقد الأجنبي لنفسه، وهذا غير مسموح به في اللوائح المنظمة لهذا العمل، فلا يصِل الطرفان إلى هذه المعاملة إلا بالمخالفات الشرعيةِ.
ولا يُعدّ بيعُ الرقمِ الوطني وكتيبِ العائلة مِن بابِ التنازل عن حق شراءِ النقدِ بعوضٍ؛ لأن صاحبَ الرقمِ الوطني لم يترك الشراء، بل يُشتَرى النقدُ باسمهِ؛ لأنّ المعاملةَ تصدرُ باسمِه، وقبلَ صدور المعاملة يبيعُها لغيره، فهو يبيع صفقة ستنعقدُ له باسمه قبل انعقادِها، فقدْ باعَ قبلَ أن يملكَ، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لحكيمِ بن حزامٍ: (لا تبعْ ما ليسَ عندكَ) [أخرجه أصحاب السنن].
والنهي عن بيع الشيء قبل تملّكه محلّ اتفاق؛ لأنه غرر، ولا يستقيمُ تخريجُها على من لهُ رغبةٌ في سلعةٍ، فإنه يجوز له أن يسألَ غيرَه ترْكَ مساومتِها بعوضٍ؛ وذلك لأنّ مَن ترك المساومةَ تَركَ حقّه في الشراءِ بالفعلِ، وتنازل عنه لغيرِه، فاشترى غيره لنفسه، لا لمن دفع له العوض، فالقولُ في بيعِ المنافعِ بالرقم الوطني أو كتيب العائلة، كالقولِ في بيع الأعيان، لا يجوزُ بيعُها قبل تملّكها؛ لأنّ المنفعةَ في حالِ بيع الرقمِ الوطني عقدها يصدرُ باسمِ صاحبِ الرقم، ولا تصدرُ باسمِ الذي اشتراها، فهي ليست تنازُلًا عن حقٍّ بِعوضٍ، وإنما هي بيعٌ قبلَ التملّكِ، ولذلك لو أن صاحبَ الرقمِ الوطني قال للمصرفِ: أريدُ أن أتنازلَ عن حقّي في هذا المخصَّصِ الأجنبيّ لفلان؛ لَمَا قُبِلَ منه ذلك، ولم يُعطَ هذا الحق، ويقال له: إما أن تشتري لنفسك، وإما أن تترك.
وعِلاوةً على اشتمال المعاملةِ على بيعِ ما لم يملكْهُ صاحبُ الرقم بعدُ، فإنها مشتملةٌ على محذورٍ الوقوع في الربا، وهو الصرفُ المؤخّر؛ إذ إن صورتَها دفعُ دنانيرَ ليبيةٍ لقاءَ دولاراتٍ أمريكيةٍ، تُستَلمُ بعدَ أن يتحصل المشتري للرقم على دوره في هذا الصرف، الذي يتطلب الوقوف أمام المصارف الليالي الطويلة، إلّا إذا تغلب صاحبه على هذه المعاناة بالرشاوى والسحت، الملعونِ آخذُها ودافعُها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصرف: (فإذا اختلفتِ الأصنافُ فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيدٍ) [مسلم: 1587]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25/شعبان/1438 هـ
22/مايو/2017م