بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1130)
السادة المحترمون/ صندوق الزكاة.
بناءً على طلبكم الإجابة على الأسئلة الآتية، نفيدكم بما يلي:
السؤال الأول:
هل تدفع الزكاة ليتيم يملك نصاب الزكاة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالزكاة لها مصارف معلومة، قد بينها الله تعالى في قوله: )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( [التوبة:60]، فإن كان اليتيم من أحد هذه المصارف جاز دفع الزكاة إليه، وأما اليتم بمجرده فليس وصفا موجبا لاستحقاق الزكاة، بل إن كان اليتيم غنيا لم يجز دفع الزكاة إليه، وإنما هو الذي تجب عليه الزكاة في ماله؛ لعموم قوله تعالى:)خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا(، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) [أبوداود:1633].
السؤال الثاني:
ما الراجح في زكاة الحلي المعد للاستعمال؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الحلي المعد للبس والزينة مما اختلف الفقهاء في وجوب زكاته، فذهب الحنفية إلى وجوب زكاته، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم الوجوب.
والقول الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور، وذلك لأدلة كثيرة؛ منها قول الله تعالى: )وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(، فدلّ قوله تعالى: )وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ( على أنَّ الزَّكاة إنَّما تجب فيما ينفق من الذَّهب والفضَّة، وليس الحليُّ كذلك.
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليْسَ فِيْ الْحُلِيِّ زَكَاةٌ)[الطبراني:236].
ومنها ما جاء عن زينبَ امرأة عبد الله قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (تصدقْنَ، يا معشر النِّساء، ولو مِن حُليِّكنَّ …الحديث)[البخاري:1444].
فدل قوله عليه الصَّلاة والسلام: (تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكنَّ) على عدم وجوب الزَّكاة في الحليِّ؛ إذ لو كانت واجبةً في الحليِّ، لما جعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم مضربًا لصدقة التطوُّع، وثبت عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمْس أواقٍ من الورِق صدقةٌ) [البخاري:1405]، فالرسول صلى الله عليه وسلم خصَّ الصدقة في الرِّقَة من بين الفضَّة، وأعرض عن ذِكر سواها، فلم يقل: إذا بلغت الفضَّة كذا ففيها كذا، ولكنَّه اشترط الرِّقة من بينها، ولا يقع هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب إلا على الورِق المنقوشة ذات السكَّة السائرة في الناس، فيكون ذلك قيدًا يُخرج الحليَّ ونحوه من وجوب الزَّكاة .
ووردت آثار كثيرة عن الصحابة تؤيد هذا القول، قال الإمام أحمد: “خمسة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يرون في الحلي زكاة: ابن عمر، وعائشة، وأنس، وجابر، وأسماء،[الدِّرَاية: 259/1].
فجاء في الموطأ أن عائشة – رضي الله عنها: (كانت تلي بناتِ أخيها يتامى في حجرها لهنَّ الحليُّ، فلا تخرج منه الزَّكاة) [الموطأ:351/2]، وعن إبراهيم بن أبي مغيرة، قال: “سألت القاسم بن محمَّد عن زكاة الحليِّ، فقال: ما رأيتُ عائشة أمرتْ به نساءها، ولا بنات أخيها” [الأموال لأبي عبيد:337].
وعن أسماء بنت أبي بكرٍ: (أنَّها كانت تحلِّي بناتها بالذهب، ولا تزكِّيه نحوًا من خمسين)[الدارقطني:109/2]. وقال ابن وهب: “وأخبرني رجال من أهل العلم عن جابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وعبدالله بن مسعود، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وربيعة بن أبي عبدالرحمن، وعمرة، ويحيى بن سعيد، أنهم قالوا: ليس في الحلي زكاة” [المدوَّنة:247/2].
ثم إنَّ الأصل المجمَع عليه في الزَّكاة أنَّها في الأموال النامية، والحليّ صار بالاستعمال المباح من جنس الثِّياب والسِّلع، لا من جنس الأثمان، فالحليّ معدول به عن النماء السائغ إلى استعمال سائغ، ولو كانت فرضاً زكاة الحلي كسائر الصدقات المفروضة لانتشرت فرضيتها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولفعلتها الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكان لها ذكر في شيء من كتب صدقاتهم، وكل ذلك لم يقع.
السؤال الثالث:
ما حكم زكاة العسل؟ وكم يبلغ نصاب العسل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن العسل مما اختلف الفقهاء في وجوب زكاته، والذي عليه المالكية والشافعية أنه لا زكاة في العسل، إلا إذا كان من عروض التجارة، فيقوم كما تقوم عروض التجارة، وذلك لعدم وجود دليل يثبت في وجوب زكاة العسل، فقد نقل غير واحد من الأئمة أنه لا يصح في زكاة العسل شيء، قال الإمام البخاري: “وليس في زكاة العسل شيء يصح” [العلل الكبير:102]، وقال الترمذي: “ولا يصح عن النبي في هذا الباب كبير شيء” [الجامع:629]، وقال العقيلي: “أما زكاة العسل فليس يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء” [الضعفاء:309/2]، وقال ابن المنذر: “ليس في وجوب صدقة العسل حديث يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم” [التلخيص الحبير:168/2].
وأما نصاب زكاته فهي محل خلاف عند من يقول بوجوب زكاة العسل، وهم الحنفية والحنابلة، فالحنابلة يرون أنه تجب الزكاة في كل عشرة أفراق منه، والفرق هو ستة عشر رطلا بالعراقي، والرطل العراقي نحو أربعمائة وسبعين غراماً تقريباً.[الفروع:(448/2- 450)]، وقال أبو حنيفة: يجب العشر في قليله وكثيره؛ لأنه لا يشترط النصاب في العشر، وقال أبو يوسف: تجب الزكاة فيما بلغ خمسة أوسق.
السؤال الرابع:
ما الراجح في زكاة الزيتون؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الزيتون مما اختلف الفقهاء في وجوب زكاته، والراجح هو وجوب زكاته، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وهو قول الإمام الشافعي في القديم، ورواية في مذهب الإمام أحمد، وروي القول به عن ابن عباس، والزهري، والأوزاعي، والليث، والثوري، وأبي ثور، والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: )وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ([الأنعام:141]، فقد ذكر الله الزيتون مع أصناف أخرى من الزروع، ثم قال: )وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ(، فالزيتون فيه حق لله، وهو الزكاة، ولا يصح استثناء شيء من تلك الأصناف إلا بدليل خاص يستثنيه، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ما يستثني الزيتون من وجوب إيتاء الزكاة يوم الحصاد، في الأصناف المذكورة في الآية الكريمة، وقال سبحانه وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ( [البقرة:267]. والأمر بالإنفاق في الآية عام في كل ما يخرج من الأرض، وهو يشمل الزيتون، والزكاة تسمى نفقة.
ومن الأدلة عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر) [البخاري:1483]، وقال الزهري: “مضت السنة في زكاة الزيتون أن تؤخذ، فمن عصر زيتونه حين يعصره فيما سقت السماء أو كان بعلا العشر، وفيما سقي برش الناضح نصف العشر”[التلخيص الحبير:180/2].
السؤال الخامس:
ما الراجح في زكاة الأرض، إذا ما اشترى الرجل هذه الأرض بنية بيعها بعد حين والاستفادة من ثمنها، أو اشتراها ثم تبين له بعد فترة من الزمن أن يبيعها لارتفاع سعرها، وهل تجب زكاتها كل عام؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالذي عليه المالكية – خلافاً للجمهورِ – أن التاجر غير المُدِيرِ (المُحْتَكِرُ) وهو الّذي يشتري الأرضَ أو السلعةَ، ويتربّصُ بها، ويرصُدُ الأسواقَ رجاءَ ارتفاعِ سعرِها فيبيعُها، وتنضبطُ أحوالُه في البيعِ والشّراءِ؛ لا تجبُ عليه الزكاة، وإن بقيتْ عنده أعواماً؛ فإذا باع السِّلعة زكّاها لسنةٍ واحدةٍ، والأدلة على ذلك كثيرة منها قولُه صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فَرَسِهِ صَدَقَةٌ)[البخاريُّ:1395]، وقولُه صلى الله عليه وسلم: (قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ)[أبوداود:1567]، وقولُه صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ فيِ الْخَيْلِ والرَّقِيقِ زَكَاةٌ) [أبوداود:1596].
قال أبو الوليد الباجيُّ: “وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ أَعْيَانَ الْعُرُوضِ لا صَدَقَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ)؛ فَإِذَا اشْتَرَى الْعَرْضَ بِذَهَبٍ لِلتِّجَارَةِ؛ فَقَدْ صَرَفَ مَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ إِلَى مَا لاَ تَجِبُ فِي عَيْنِهِ، فَمَا دَامَ عَرضًا فَلا شَيْءَ فِيهِ؛ فَإِنَّ النِّيَّةَ مُفْرَدَةً لا تُؤَثِّرُ، وَلَوْ أَثَّرَتْ دُونَ عَمَلٍ لَوَجَبَت الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلْقِنْيَةِ فَنَوَى بِذَلِكَ التِّجَارَةَ، وَقَدْ أَجْمَعَنَا عَلَى بُطْلانِ ذَلِكَ” [المنتقى:122/2].
واستدلوا بجملةٍ من الآثارِ؛ منها: ما رواه إبراهيمُ الصَّائغُ قَالَ: “سُئِلَ عَطَاءٌ: تَاجِرٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فِي أَصْنَافٍ شَتَّى, حَضَرَ زَكَاتُهُ، أَعَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ مَتَاعَهُ عَلَى نَحْوِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ثَمَنُهُ؛ فَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ؟ قَالَ: لا! وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَخْرَجَ مِنْهُ زَكَاتَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَخْرَجَ مِنْهُ إِذَا بَاعَهُ” [الأموال:947/3].
واستدلوا بجملةٍ من الأقيسةِ؛ منها: القياسُ على الدَّيْنِ؛ قال الحافظُ ابنُ عبد البرّ: “مذهب مالك وأصحابه أنّ التّجارة تنقسم عندهم قسمين؛ أحدهما: رجل يبتاع السلع في حين رخصها، ويرتاد نفاقها، فيأتي عليه في ذلك العام والأعوام ولم يبع تلك السلعة، وقد نوى التجارة بها؛ أنّه لا زكاة عليه فيما اشترى من العروض حتّى يبيعها، فإذا باعها بعد أعوام لم يكن عليه أن يزكي إلا لعام واحد؛ كالدَّيْنِ الّذي يقتضيه صاحبُه، وقد غاب عنه، ومكث أعواماً عند الذي كان عليه؛ أنّه لا يزكِّيه إلاّ لعامٍ واحدٍ”[الاستذكار:167/3]، ومنها القياسُ على العُروضِ المُقتناةِ؛ قال القاضي عبد الوهّاب:”أنّه عَرْضٌ مملوكٌ غيرُ مدارٌ؛ فلا يلزمُ تقويمُه كلَّ سنةٍ؛ كالعُروضِ المقتناةِ” [شرح الرّسالة:380/1-381].
كما أنّ الزّكاةَ شُرِعَتْ في الأموالِ النَّاميةِ؛ فلو زكَّى السّلعةَ كلَّ عامٍ – وقد تكونُ كاسدةً – نَقَصَتْ عن شرائها؛ فيتضرَّرُ، فإذا زُكِّيَتْ عند البيعِ؛ فإنْ كانت رَبِحَتْ فالرِّبْحُ كان كامنًا فيها فيُخْرِجُ زكاتَهُ، ثم إن الأصلَ أن تُخرَجَ زكاةُ كلِّ مالٍ منه لا من سواهُ، وحيثُ إنّ العَرْضَ المعدَّ للتِّجارةِ لم يُبعْ؛ فلا يلزمُ إخراجُ زكاتِه من غيرِ قيمتِه،[الأموال لأبي عبيد:522].
السؤال السادس:
ما حكم ضم النقدين إلى بعضهما لإكمال النصاب؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالراجح أنَّ الذَّهب والفضَّة يُضمُّ أحدهما إلى الآخر في تكميل النِّصاب، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة، والمالكيَّة، والحنابلة، وقال به طائفة من السَّلف، قال الله تعالى: )وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( [التوبة:34]. فالله تعالى ذكر الذَّهب والفضَّة، ثم قال: )وَلا يُنْفِقُونَهَا(، وذلك راجع إليها، فلو لم يكونَا في الزَّكاة واحدًا لكانت هذه الكناية راجعةً إليهما بلفظة التثنية؛ فيقول: ولا ينفقونهما، فلمَّا كنى عنهما بلفظ الجنس الواحد ثبت أنَّ حُكمهما في الزَّكاة واحد.
ولما كان مقصودهما واحدًا في كونهما أثمانًا وقِيمًا، ونفعهما واحد، فمنهما قيم المتلفات، وأروش الجنايات، ويتَّخذان للتحلِّي، وقدر زكاتهما واحد، وهو ربع العشر وجب أنْ يكون حُكمهما واحدًا في وجوب ضمِّ أحدهما إلى الآخر، ثم إنَّ نصاب الزَّكاة كان بسبب الثمنيَّة؛ لأنَّه المفيد لتحصيل الأغراض وسدِّ الحاجات، لا لخصوص اللَّون أو الجوهر، والثمنيَّة، كما أنَّ الذَّهب والفضَّة يُضمَّان إلى ما يضمُّ إلى كلِّ واحد منهما، وهو عروض التِّجارة، فضمُّ أحدهما إلى الآخر كأنواع الجنس، فالتسوية مقتضية لاتِّحاد الحُكم وعدمِ الفرق، والله أعلم.
السؤال السابع:
ما القول في زكاة السلعة التجارية الراكدة التي ليس عليها إقبال؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالتاجر المدير إذا بارت سلعته، وكسدت بضاعته، لا يصير محتكراً على الصحيح، وهو قول ابن القاسم، فيجب عليه تقويم عروضه كل عام ويزكيها؛ لأن الاعتبار الذي قام على أساسه إيجاب الزكاة في عروض التجارة أنها مال مرصد للنماء مثل النقود، سواء أنمت أم لم تنمُ، والتاجر قد ملك نصاباً نامياً فوجب أن يزكيه.
السؤال الثامن:
هل يشترط السوم في زكاة الثروة الحيوانية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد اختلف العلماء في اشتراط السوم في زكاة الأنعام، ومذهب مالك وربيعة والليث بن سعد عدم اشتراطه، فأوجبوا الزكاة فيها، سواء كانت سائمة أو معلوفة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (في كل خمس شاة) [سنن النسائي:4853]، ولم يقيدها صلى الله عليه وسلم بكونها سائمة، أما الاستدلال بالمفهوم في حديث: (… وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين منها شاة..) [السنن الكبرى:7248]. فالوصف خرج مخرج الغالب، والله أعلم.
السؤال التاسع:
هل يزكى على الراتب الشهري؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه ليس في الراتب الشهري زكاة حتى يبلغ النصاب بنفسه، أو بما انضم إليه من مال آخر، أو ذهب أو فضة، ويحول عليه الحول، سنة كاملة بالأشهر القمرية، فإن وجدت هذه الشروط فالواجب أن لا تؤخر زكاة المال، وإلا فلا يجب بمجرد قبض الراتب لعدم توفر الشروط المطلوبة، والله أعلم.
السؤال العاشر:
هل يشترط الحول في زكاة الركاز والمعدن؟ وهل يفرق بينهما في مقدار النصاب بين ربع العشر والخمس؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا يُشترط مرور الحَوْل في وجوب زكاة الركِّاز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العَجْماءُ جُبَارٌ، والبِئر جُبارٌ، والمعدِنُ جُبارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُس) [البخاري:1499]، فعموم الحديث يدلُّ على عدم اشتراط الحَول، ووجوب إخراج الخُمُس منه في الحال.
وأجمعت الأمة على ذلك، وممن نقل الإجماع، الماورديُّ، والبَغَويُّ، والنوويُّ، والعراقيُّ، وابنُ حجر، والشوكانيُّ.[نيل الأوطار:176/4].
كما أنَّ الرِّكاز يحصل جملةً من غير كدٍّ ولا تعب، والنماء فيه متكامِل، وما تكامَل فيه النماءُ لا يُعتبر فيه الحَوْل؛ فالحول مدةٌ مضروبة لتحصيل النَّماء.
ومقدار نصاب الركاز الخمس، والمعدن على ضربين: ضرب يتكلف فيه مؤونة عمل، فلا يجب فيه غير الزكاة (ربع العشر)، وضرب لا يتكلف فيه مؤونة عمل، ففيه الخمس على الصحيح؛ لأنه يصير بمنزلة الركاز، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
30/جمادى الأولى/1434هـ
2013/4/11