بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1467)
السيّد/ مدير مكتب الأوقاف والشؤون الإسلامية.
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالإشارة إلى مراسلتكم ذات الرقم الإشاري: (14.1.2395) بخصوص سؤالكم عن حكم إزالة المنابر الأثرية التي تقطع الصفوف، نحيل إليكم جواب دار الإفتاء السابق بهذا الخصوص.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمما يندبُ للإمام، أن يخطب على منبر أو شيء مرتفع، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصنع له المنبر يستند إلى جذع نخلة، فلما صُنع له المنبر وتحول إليه، سُمع للجذع أنين وبكاء مثل أصوات العشار، سمعه أهل المسجد، فنزل إليه وضمه، وكان منبره صلى الله عليه وسلم على ثلاث درجات، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وكان منبر النبي صلى الله عليه وسلم قصيرا، إنما هو ثلاث درجات) [أحمد:2419]، قال النووي: “أجمع العلماء على أنه يستحب كون الخطبة على منبر؛ للأحاديث الصحيحة التي أشرنا إليها، ولأنه أبلغ في الإعلام، ولأن الناس إذا شاهدوا الخطيب كان أبلغ في وعظهم”[المجموع:527/4].
والأولى في المنابر أن تُصمم بصورة لا تقطع الصفوف الأوَلَ؛ لورود النهي عن قطع الصفوف، كما في حديث قرة بن إياس المزني رضي الله عنه: (كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردًا) [ابن ماجه:1002]. يقول ابن الحاج في اتخاذ المنبر العالي: “(فصل) ومن هذا الباب أيضا، أعني في إمساك مواضع في المسجد وتقطيع الصفوف بها، اتخاذ هذا المنبر العالي، فإنه أخذ من المسجد جزءا جيدا، وهو وقف على صلاة المسلمين كفى به أنه لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من فعل الخلفاء بعده، وإذا كان ذلك كذلك فهو من جملة ما أحدث في المساجد، وفيه تقطيع الصفوف، كما هو مشاهد في هذه البلاد”[المدخل:212/4]، فإن حصلت صورة تفضي إلى انقطاع بعض الصفوف لوجود اسطوانات في المسجد، أو امتداد درج المنبر إلى الصف الأول والثاني، كما يوجد في بعض المساجد، ولم يمكن تفادي انقطاع الصف بذلك لضيق المسجد عن المصلين، وعدم اتساعه، فلا حرج على المصلي إن شاء الله؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، قال مالك رحمه الله: لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد” [المدونة:195/1]، قال ابن عرفة: “مفهوم المدونة إذا كان المسجد متسعا كرهت الصلاة بين الأساطين” [التاج والإكليل:106/2]، وقال ابن العربي “ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما عند السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به” [العارضة:27/2]، وتقصير المنابر بما لا يقطع الصفوف أولى بالمحافظة عليه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
غيث محمود الفاخري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
12/ذو القعدة/1434هـ
2013/9/17م