حكم الطلاق حال الغضب والنفاس
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3693)
السيد/ قاضي محكمة باب بن غشير الجزئية الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالإشارة إلى مراسلتكم، المتضمنة طلبكم فتوى شرعية في إثبات صحة طلاق السيدة: (س) من السيد: (ص).
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن السيد: (ص) ذكر في توضيحه للدار، أنه طلق زوجته مرتين فيما سبق، ثم راجعها، وبعد ذلك طلقها طلقة ثالثة، وهو في حالة غضب، وزوجته نفساء.
والطلاق عند الغضب يقع ويلزم، ولو كان الغضب شديدًا، إن كان المطلِّق وقت غضبه يعي ما يقولُ؛ لحديث خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت رضي الله عنهما: “أنها راجعت زوجها، فغضب، فظاهر منها، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت تشكو إليه ما تلقى من سوء خلقه، فأنزل الله آية الظهار، (وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة)” [ابن ماجه:2063]، فألزمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالتكفير عن الظهار، الذي أوقعه في حال الضجر والغضب، ولم تسقط عنه الكفارة، والطلاقُ كالظهار.
وأما إنْ كان المطلقُ لا يعي ما يقول، ولا يشعر بما صدر منه؛ فالطلاق لا يقع؛ لأنه حينئذ في حكم المجنون فاقدِ العقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتَلم، وعن المجنونِ حتى يَعقل) [الترمذي:1423]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا طلاقَ ولا عتاقَ في إغلاقٍ) [أحمد: 314/53]، وقال الصاوي رحمه الله: “يلزم طلاق الغضبان، ولو اشتد غضبه، خلافًا لبعضهم، وكل هذا ما لم يغب عقله، بحيث لا يشعر بما صدر منه، فإنه كالمجنون” [بلغة السالك:351/2].
والطلاق زمن النفاس أو الحيض حرامٌ؛ لمخالفته أمر الله تعالى في قوله: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق:1]، ولكنه يُعتد به إذا وقع، وهو مذهب جماهير العلماء، من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أنه طلق زوجته وهي حائض، فذكر عمر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ليرجعها) قلت: تُحتَسبُ؟ قال: فَمَه؟ [البخاري:4954].
وعليه؛ وبعد الاتصالِ بالزوج، والتبينِ منه، أخبرَ أنّه كانَ واعيًا بما قاله حالةَ غضبِهِ، فالطلاقُ واقعٌ، وبه تَبينُ الزوجةُ منه بينونةً كبرى، لا تحلّ له حتّى تنكحَ زوجًا غيرهُ نكاحَ رغبةٍ، ويطلِّقَهَا أو يموتَ عنها؛ لقوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَّتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَنْ يُّقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [البقرة:229-230]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم سليم الشوماني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
04/ربيع الآخر/1440هـ
11/12/2018م