بيان رقم ( 15 ) لسنة 1435 هـ 2013 م بشأن المشاركة في الانتخابات .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فإن دار الإفتاء توجه رسالتين إلى المواطنين؛
الرسالة الأولى عامة؛ تقولُ لكل مواطنٍ حريصٍ غيورٍ، محبٍّ لوطنه: هذا وطنُك أمامَك – هذه الأيام – فرصةٌ ثمينةٌ حقيقية للإسهامِ في بنائِه، بالمشاركةِ في الانتخاباتٍ؛ انتخابات كنتَ في يومٍ من الأيّامِ محرومًا منها، وتتمنّاها، ها هي الآنَ واتَتك، وبينَ يديكَ، فلا تُفرّط فيها، وتترُكْها لغيرِك، مِمّن قد يكونُ أقلَّ حِرصًا منك على الوطنِ، أو يكونُ غيرَ حريصٍ على الإطلاقِ.
لا شكَّ أنّ حرصَك على المشاركةِ في انتخابات الستين، وانتخاب البلديات، بِنيّةِ الإصلاحِ، وتكثيرِ الخيرِ وتقليل الفساد، هو إصلاحٌ، وهو خيرٌ، بل هو واجبٌ في هذه الظروفِ، التي بلغَ فيها الفسادُ في ليبيا أعلى معدَّلاته.
مشاركتك واجبٌ شرعي؛ لأنّ في مشاركتِك تكثيرًا لِسوادِ الحقِّ، وتعاونًا على البرِّ، وإصلاحًا وخيرًا، والله تعالى يقولُ: (وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)، ويقولُ: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ويقولُ: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)، وهو تدافُعٌ لِنصرةِ الدين، واكتمال بناء الوطن؛ (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ).
وهو الوسيلةُ المتعينةُ في الوقت الحاضرِ، لِحفظِ الأمن، واستقرارِ البلد، وحقنِ الدمِ، وإقامةِ الشرع، وكلّ ذلكَ واجبٌ شرعيٌّ، وواجب وطنيٌّ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلّا بهِ، فهو واجبٌ.
الرسالة الثانية؛ أقولُ بالخصوصِ، لكلِّ الحريصينَ على تحكيمِ الشريعةِ، مِن كلّ التوجهاتِ الإسلاميةِ: المشاركةُ اليومَ أوجبُ عليكُم أنتم مِن غيرِكم، وليسَ لديكم عذرٌ عندَ ربكمْ، إن تخليتُم عَن التمكينِ للشريعةِ، ولا تَصِلون إلى التمكين لها إلّا بالأخذِ بالأسبابِ، وأولُ أسبابها؛ المشاركةُ في بناءِ الدولةِ، وإصلاحهَا مِن الداخلِ، فهو الطريقُ الوحيدُ الموصِّلُ لِما تُريدونَ.
دعكُم مِن الأوهامِ، وتصويرِ أنّ المشاركةَ كفرٌ، فهذا الوهمُ يبعدُكم عنِ الطريقِ، ويصرفُكم عن مرادِكم، ومآلُه – شِئتم أمْ أبَيتُم – التمكينُ لِما لَا تُحِبون، والعونُ على مَا تكرهونَ، فانظُروا في مَآلاتِ الأمورِ، فالنظرُ في المَآلاتِ مِن مَقاصدِ الدّينِ.
فأنت – أيُّها المسلمُ – مُطالبٌ في كلِّ وقتٍ وحينٍ بتقليلِ الفسادِ مَا أمكنَ، وتكثيرِ الخيرِ وأهلِه مَا أمكن، شارِك بنيةِ أنْ تكونَ موجودًا في لجنةِ الستّين؛ لِتكونَ قادرًا على جعلِ تحكيمِ الشريعةِ مادةً فوقَ الدستور، غيرَ قابلةٍ للاستفتاءِ عليها، وما خالفَها يكونُ باطِلا، شاركْ بنية إقامةِ العدلِ ونصرة المظلومِ، وإعانةِ الضعيفِ، وردّ الأموالِ المنهوبةِ، والأملاكِ المسلوبة.
ألَا تكونُ بذلك أدَّيت واجبًا، هو في عنقِك، وهو في مقدورِك الآنَ ؟ ألا تكون بذلك أسَّست لبنيانِ الحقِّ وإقامةِ الشرعِ، ونصرة الدينَ؟!
فما عذرُك عندَ ربّك إن تخليتَ وأنت قادر؟
إذا شاركتَ بقوةٍ، فلا تحتاجُ في تحكيمِ الشريعةِ إلى السلاحِ، ولا استعداءِ أُممِ الأرضِ على وطنكَ؛ فلِمَ تحرِمُ نفسَك هذا الشرفَ وقد جاءك؟!
ولم لا تجنب وطنك هذا الخطر، وهو محذق به ؟ باللهِ عليكم، يا مَن تُقاطعونَ الانتخاباتِ تديُّنًا، فكّروا في العواقبِ.
عواقب إن تركتُم المشاركةَ الآنَ، وتخلَّيتُم عن تكثيرِ سوادِ الحقِّ ونصرتِه، وكانتِ الأخرَى؛ التمكينُ للفسادِ والباطلِ، ألا تكونونَ قد خذلتُم الحقَّ، وَ كُنتُمْ معَ ضدِّه على قومِكم، وفرّطتُم في واجبٍ تُسألونَ عنه؟!
(وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
5 صفر 1435 هـ
الموافق 8 ديسمبر 2013 م