أسئلة في الوصية والهبة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1685)
ورد إلى دار الإفتاء الأسئلة التالية:
السؤال الأول:
توفي رجل، وترك وصية بثلث ماله لأبناء أبنائه: (م)، و(ع)، و(ف)، إلا أن (ف) لم يرزق ولداً أثناء وفاة الموصي، وبعد خمس سنين من وفاة الموصي رزق أولاداً، فهل لأبناء (ف) حصة مع أبناء عمومتهم في الوصية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الوصية المذكورة لا تخلو من أمرين:
الأول: أن يوصي للموجودين فقط، أو للموجودين وما يحدث بعدهم في حياته، وإذا كانت كذلك فإن الوصية تنفذ بعد وفاته مباشرة، وكل من ولد بعد وفاة الموصي لا حصة له؛ لأن الوصية كالميراث حينئذ، ولا يجوز تغييرها ولا تبديلها، قال تعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:181].
الثاني: أن يوصي الميت لأبناء أبنائه الموجودين وما يحدث بعدهم، فهي وصية لمعدوم، وهي جائزة، وإذا كان كذلك، فإن كل من ولد من أبناء الأبناء، ولو بعد وفاته، فإنه يدخل في الوصية المذكورة، قال الدردير رحمه الله: “(لِمَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ) أَيْ يَصِحُّ الْإِيصَاءُ لِمَنْ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ، وَلَوْ فِي ثَانِي حَالٍ، (كَمَنْ سَيَكُونُ) مِنْ حَمْلٍ مَوْجُودٍ أَوْ سَيُوجَدُ، فَيَسْتَحِقُّهُ (إنْ اسْتَهَلَّ) صَارِخًا، وَيَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِهْلَالِ كَثْرَةُ رَضْعِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ حَيَاتِهِ” [الشرح الكبير 423/4]،والله أعلم.
السؤال الثاني:
توفي رجل، وأوصى بثلث ماله لأبناء أبنائه: (م)، و(ع)، و(ف)، وكانت له أرض أخذها بالمغارسة، ولم تنته مدتها، ولم تستوف شروطها عند وفاة الموصي، وقد مات أحد الأحفاد قبل انتهاء المدة والشروط، فهل يستحق من الأرض المذكورة ما يستحقه بقية الأحفاد الموصى لهم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كل ما تركه الميت من أموال يدخل في الميراث، والوصية حتى الأرض المغروسة داخلة في الميراث والوصية؛ إذا استوفت المدة والشروط قبل وفاة العامل (الموصي)، أما إذا عجز العامل عن إتمام العمل بسبب موت أو غيره، فإنه يستحق أجرة المثل، بقدر ما تكلفه من العمل؛ لأن العقد حينئذ متردد بين الجعالة والإجارة [انظر: القوانين الفقهية لابن جزي:242]، قال التسولي: “فالجعالة لا شيء فيها للعامل إلا بتمام عمله بنبات الشجر أو إثمارها على ما شرطاه، بخلاف الإجارة فإنه يستحق أجره على مجرد عمله من غير زيادة عليه، وإن لم يتمه فله بحساب ما عمل” [البهجة شرح التحفة:324/3]، ويتقاسم الورثة هذه الأجرة حسب الفريضة الشرعية، بعد إخراج الثلث المُوصى به للأحفاد المذكورين، ويدخل معهم الحفيد المتوفَّى بعد جده، ومن يتم العمل بعده يستحق حصة العامل، سواء أكانوا أبناءه أم غيرهم، فقد ذكر البُرزُلي عن ابن الحاج قوله: “ولو مات [أي: العامل] لخُيِّر ورثته بين العمل أو الترك” [فتاوى البرزلي 373/3]، ولا حق حينئذ للحفيد المتوفى – قبل استيفاء المغارسة المذكورة المدة والشروط – في الأرض المذكورة.
السؤال الثالث:
رجل قدمه النائب في الأحكام الشرعية على قاصر، ومنذ زمن التقديم وهو يتصرف تصرف الراشد، وشهدت بينة بذلك، وبعد عقد من الزمن قام القاصر يريد رد ما باعه المقدم بعد أن حازه المشتري لأعوام طويلة، فهل له ذلك أم لا؟ وإذا شهدت بينة بسفه المقدم، فهل تقدم بينة الرشد أم بينة السفه؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا يبيع الوصي غير الأب مال محجوره إلا لسبب يقتضي بيعه أي: لحاجة أو مصلحة، وأن يشهد عليه العدول إنما باعه لكذا، كأن يكون محتاجا للنفقة، أو أن يكون عليه دين لا يستطيع سداده إلا من ثمنه، أو أن يخاف عليه من ظالم يأخذه منه غصبا، أو يعتدي على ريعه ولم يستطع رده، وله بيعه بزيادة الثلث على ثمن المثل فأكثر، أو أن يكون العقار بين جيران سوء في الدين أو الدنيا، فيبيعه ليستبدل به عقارا بين جيران صالحين، أو أن يخاف عليه من التلف والخراب، وله مال يعمر به، ولكن بيعه أولى من تعميره، قال التسولي: “وبيع الوصي على محجوره ممنوع إلا أن ببيع لمقتضٍ وموجبٍ، أي: حاجة لنفقة أو كسوة فيجوز، كان المبيع عقاراً أو غيره” [البهجة:130/2].
وعليه؛ فإذا كان الوصي قام بالبيع بناء على حاجة ومصلحة، فلا يجوز للقاصر رد البيع، وإذا ثبت خلاف ذلك، فله رد البيع، قال التسولي: “وفي الدر النثير عن أبي الحسن: أن الوصي إذا باع لغير حاجة؛ بل لتوليج الدار، فإن بيعه ينقض” [البهجة:130/2]، والله أعلم.
السؤال الرابع:
تصدق رجل على ابن ابنه بنصف ملكه، وهو صغير في حجر جده المتصدق؛ لكون ابنه ميتا، وحاز له جده في صغره، ثم باعها – أي: الصدقة – المتصدِّق بعد عقد الصدقة المذكور بخمس سنين، والمتصدَّق عليه لازال صغيرا، ومات جده وهو لا يزال صغيرا، ثم مكث المشتري بالعقار ذاته نحو أربعين سنة، والحفيد المذكور لا علم له بعقد الصدقة المذكور، ثم حين اتصل به قام على المشتري يريد رد العقار المبيع، فهل له ذلك؟ وهل حيازة جده له وهو صغير تنفعه؟ علما بأن العقار عبارة عن قطعة أرض.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذا كان الجد قد توفي، والولد المتصدق عليه صغيراً – كما هو ظاهر السؤال -، فإن الصدقة صحيحة نافذة، ولو لم يقبضها الولد حتى مات المتصدق إذا أشهد عليها، ففي معين الحكام: “إشهاد الأب بالصدقة على ابنه الصغير كافٍ، ولا يحتاج إلى معاينة البينة [الحوز]” [ص: 744]، والأب كالجد، جاء في المدونة: “قلت: فإن وهب الأب لولده – وهم صغار – ثم أشهد لهم، أهو الجائز في قول مالك؟ قال: نعم” [المدونة:133/15].
ولاحق للجد في الرجوع في صدقته بعد ذلك، ولا اعتصارها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) [البخاري:2621، مسلم:1622]؛ ولأن الصدقة لا تعتصر، قال في معين الحكام: “مذهب مالك وأصحابه أن الصدقة لا تعتصر” [ص:744].
وعليه؛ فإذا ثبت أن بيع الجَدِّ مبني على رجوعه في الصدقة، وقامت البينة على ذلك، فإن البيع ينقض، وترجع الأرض لمالكها، ويرجع المشتري بقيمتها على من باع له، أو من تركته بعد موته؛ إذا لم يكن عالما بتعدي البائع، ولم يحدث فيها المشتري تغييرا بغرس أو بناء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [أحمد:20695]، فإن أحدث فيها تغييرا بغرس أو بناء، فله أن يشتري الأرض من مالكها، ويرجع على البائع المعتدي بثمنه الذي دفعه فيها أولا، أو يدفع له صاحب الأرض قيمة الغرس أو البناء قائما، فإن أبيا صارا شريكين: المالك بقيمة أرضه، والمشتري بقيمة غرسه أو بنائه، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع قيمة العمارة قائما، فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا، فإن أبى كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد” [الرسالة:134].
وأما إذا كان المشتري عالما بالاعتداء، فهو والمعتدي في الظلم سواء، ولا شيء له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وليس لعرق ظالم حق) [أبوداود:3075، والترمذي:1378]؛ فإن أحدث فيها تغييرا، فله قيمة بنيانه منقوضاً، أو قيمة غرسه مقلوعاً، قال الدردير رحمه الله: (لأَنَّهُ إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فيها، خُيِّرَ رَبُّهَا بين أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَدْمِ بِنَائِهِ، وَتَسْوِيَةِ الأرْضِ، كما كانت أو يَدْفَعَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا) [الشرح الكبير 448/3].
وأما إذا كان الجَدُّ – وهو ولي القاصر – باع الصدقة لحاجة ومصلحة الحفيد فله ذلك؛ لأن فعله محمول على النظر في مصلحة أوليائه، قال القرافي: “وقال بعض أصحابنا: للأب بيع عقار ابنه الصغير بخلاف الوصي لمزيد الشفقة…، قال ابن يونس: الوصي العدل كالأب، يجوز له ما يجوز للأب؛ لأنه خليفته، ولا يبيع الأب العقار إلا على وجه نظر” [الذخيرة:171/7]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
غيث بن محمــــود الفـــاخري
نائب مفتي عام ليبيا
8/ربيع الأول/1435هـ
2014/1/9م