بيع شقة مغصوبة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1688)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا المواطن (س)، مقيم في شقة بالدور الأرضي بعمارة بها أربع شقق، مع والدتي، وأطفالي الثلاثة، وزوجتي، وكان قد اشترى الشقة والدي في سنة 1987م (عتبة)، بقيمة ثمانية الآف دينار، وهذه العمارة قد أخذت بالقانون رقم (4) وأصحابها غير معروفين، ولم يظهروا إلى الآن، وفي الآونة الأخيرة طلب مني الورثة أن أبيع الشقة، ونتقاسم الثمن حسب الفريضة الشرعية، فهل تعتبر الشقة ملكا مقدسا، وهي في الأساس ليست ملكا لوالدي؟ وهل يلحقني إثم في حالة عدم اعترافي بأن الشقة ليست ملكا مقدسا؟ وهل من حقنا المبلغ الذي اشترى به الوالد هذه الشقة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن القانون رقم (4) من القوانين الجائرة، التي أباحت ممتلكات الناس ظلمًا وعدوانًا، فاغتصَب بموجبه العديدُ من الناس ممتلكات الآخرين، وكل ما حصل بموجب هذا القانون، مِنْ تَمَلُّكٍ للأملاك بدون رضا أصحابها، يعد باطلاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي:5492], فعلى مَنْ ملكتهم الدولة هذه الشقق بهذا القانون دفع أجرتها من يوم تملكوها إلى يوم باعوها, قال ابن القاسم رحمه الله: “كل ربع اغتصبه غاصب، فسكنه أو اغتله، أو أرضا فزرعها، فعليه كراء ما سكن أو زرع بنفسه، وغرم ما أكراها به من غيره، ما لم يحاب، وإن لم يسكنها ولا انتفع بها ولا اغتلها فلا شيء عليه” [التهذيب في اختصار المدونة:4/89].
عليه؛ فإن صورة البيع (الخلو والعتبة) غير جائزة؛ لأن من تنازل عن المنفعة في هذه الصورة ليس من حقه هذا العقار، ولا يملكه بصورة شرعية صحيحة، وإذا أخذ عنها عوضًا فهو من أكل المال بالباطل، وعلى البائع أجرة المثل، يدفعها للمالك الأصلى، وليس لكم من قيمة هذا العقار إلا ثمن ما اشتريتم به، ترجعون بثمنه على من باعكم إذا كنتم غير عالمين بالغصب، وإلا فيلزمكم أجرة المثل عن المدة التي انتفعتم بها.
ولا يبطل حق المالك الأصلي بسبب تداول الأيدي للعقار، وتعاقب الملكيات المترتبة على هذا القانون، ولو طالت المدة؛ لأن الغاصب لا تفيده الحيازة، ولصاحبه أخذه واسترداده، ولو من اليد العاشرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجد عين ماله فهو أحق به) [أبوداود:5333]، ولا يختلف الحكم باختلاف العقار، ولا باختلاف حال من بيده العقار، سواء كان محتاجًا أو غير محتاج، فكله يسمى غصبًا، وكله حرام، والحاجة لاتحل أموال الناس، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الغرياني
محمد الهادي كريدان
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
8/ربيع الأول/1435هـ
2014/1/9م