حق الاستيفاء في قصاص قتل العمد للعصبة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1769)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
قتل زوجي غدراً، وقد عرض علينا القاتل الصلح على الدية الشرعية، فرفض إخوته وأخواته التنازل للقاتل، ولي ابن مريض عنده بعض التشوهات، ويحتاج إلى علاج، فهل يجوز لي الصلح على الدية مع رفض إخوته لذلك أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :
فلا كلام للزوجة في العفو عن القاتل على الدية مع وجود العصبة؛ لأن حق الاستيفاء في قصاص قتل العمد، إنما هو للعصبة، ويرتبون على ترتيبهم في الميراث، قال الخرشي: “والاستيفاء للعاصب كالولاء إلا الجد والأخ فسيان” [شرح الخرشي: 9/6].
وقال التسولي: “واعلم أن المستحقين للدم تارة يكون جميعهم رجالاً، وتارة يكون جميعهم نساء، وتارة يكونون رجالاً ونساء، فالقسم الأول يسقط القتل بعفو واحد منهم، وترتيبهم كالنكاح، فيقدم الابن فابنه فأخ فابنه، إلا الجد والأخوة، فهما في مرتبة واحدة، فلا يقدم أحدهما على الآخر” [شرح البهجة: 615/2].
وإذا كان للمقتول ابن صغير، وليس معه كبير مساوٍ له في الدرجة، فالنظر لوليه، يفعل له الأصلح له، فإن رأى المصلحة في أخذ الدية كاملة، وترك القصاص كان له ذلك، ولا يجوز له أن يصالح على أقل من الدية الكاملة، حيث كان القاتل مليّا، وحقه في الدية ثابت إن عفا، قال العدوي: “لو كان مستحق الدم هو الصغير وحده، فإن وليه من أب أو وصي أو غيرهما ينظر في أمر محجوره، فإن رأى القصاص هو الأصلح في حق محجوره اقتص له من الجاني، وإن رأى أخذ الدية الكاملة هو الأصلح في حق محجوره أخذها، ولا يجوز للولي أن يصالح على أقل من الدية، حيث كان القاتل مليّا” [حاشية العدوي على شرح الخرشي: 23/8].
والزوجة إن كان لها الولاية الشرعية على الصبي، كأن يوصي لها الأب بها، أو بتنصيب من القاضي، فلها حق العفو على الدية الكاملة إن رأت المصلحة، وكان الجاني مليا، فإن لم يكن مليا جاز لها الصلح على ما دون ذلك، قال الخرشي في شرحه على المختصر: “فإن كان الجاني على النفس أو الطرف معسرا، فيجوز للولي أن يصالح بأقل من الدية” [23/8]، وإن لم يكن لها حق الولاية، فالكلام لمن له الحق في الصلح أو طلب القصاص، ممن يلي الابن في الدرجة على النحو السابق.
وقد رغبت الشريعة في العفو عن القاتل إن هو تاب وأناب؛ لما فيه من مصلحة إحياء نفس مسلمة، وقد قال الله عزوجل: )وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً(.
وعن عدي بن ثابت قال: هشم رجلٌ رجلاً على عهد معاوية رضي الله عنه، فأعطى ديته، فأبى أن يقبل حتى أعطى ثلاثا، فقال رجل: “إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق” [رواه أبو يعلى : 3708]، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من رجل يجرح في جسده جراحة، فيتصدق بها إلا كفر الله تبارك وتعالى عنه مثل ما تصدق به” [مسند أحمد : 2165]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
أحمد محمد الغرياني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11/ربيع الآخر/1435هـ
2014/2/11م