بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1789)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
حبَّس (ع) عقاراته وأملاكه على نفسه، والذكور من أبنائه، فإذا انقطع نسله عادت إلى صالح وقف عبد السلام الأسمر، فلما توفي المُحبِّس لم يخلف أحدا بعده، وكان ابنه قد توفي قبله، فعُرضت وثيقة الحبس على علماء زليتن، فأفتوا بعدم جوازه؛ لأنه على النفس، وعلى الذكور دون الإناث، وحينها ألغي الحبس بشهادة الأوقاف في ذلك الوقت، وبناء عليه قسمت التركة حسب الفريضة الشرعية على جميع الورثة.
فقام (م) بشراء بعض تلك الأملاك من الورثة، وبعضها آل إليه بالإرث الشرعي، وله حجج ووثائق تثبت ذلك، ثم توفي (م)، وآلت تركته للورثة الشرعيين، فخرج عليهم (هـ) مطالبا بأحقيته في استغلال بعض تلك العقارات، بحجة أنه قريب لـ(ع)، بصفته أحدَ أجداده، نأمل منكم بيان الحكم الشرعي في هذه الواقعة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالتحبيس على النفس باطل عند جماهير أهل العلم؛ لأنه مما لا نفع فيه، ولا قربى ترتجى من ورائه، وليس فيه سوى التحجير على النفس، قال في (التاج والإكليل شرح مختصر خليل): “وظاهر المذهب بطلان كل حِبْسِ مَنْ حَبَّسَ على نفسه وغيره إن لم يُحَزْ عنه، فإن حِيزَ صَحَّ على غيره فقط” [التاج والإكليل:25/6].
والحبس على الذكور دون الإناث محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة أنه غير جائز شرعا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم) [البخاري:2587]، وفي المدونة: “أن عائشة رضي الله عنها إذا ذَكرت صدقات الناس اليوم، وإخراج الرجال بناتهم منها، تقول: “ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم؛ إلا كما قال الله تعالى: )وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ( [الأنعام:139]” [المدونة:423/4]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إنه من عمل الجاهلية” [شرح الخرشي:77/5]، وهو اختيار الشيخ خليل في المختصر، قال: “وبطل – أي الوقف – على معصية وحربي وكافر لـ(كمسجد)، أو على بنيه دون بناته” [مختصرخليل:212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب، وهذا الحبس تم إلغاؤه بفتوى من مفتي الديار الليبية السابق، الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله سنة 1973م، وبعد هذه الفتوى صدر القانون رقم 16 لسنة 1973م بإلغائه.
عليه؛ فإن الحبس المذكور لا يعمل به، ولا يصحّ لاشرعًا ولا قانونًا، وما ذُكر من قسمة التركة حسب الفريضة الشرعية على جميع الورثة، هو الصواب، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الغرياني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24/ربيع الآخر/1435هـ
2014/2/24م