الموظف في جهة حكومية أو غيرها مؤتمن على ما وُكل إليه من عمل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1852)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
كنت موظفا في قطاع الاقتصاد، وكُلِّفت من قبل أمين القطاع سابقًا باستلام كتيبات تخص السلع المعمرة؛ لتوزيعها على الجمعيات الاستهلاكية، حُدِّد سعر الكتيب من قبل قطاع الاقتصاد بـ(500) درهم، استلمت الكتيبات، واجتمعنا بعدها بقطاع الاقتصاد بالمنطقة، واتفقنا على زيادة مبلغ (500) درهم على سعر الكتيب، فأصبح سعر الكتيب الواحد (1) دينارًا واحدا، وزيادة النصف دينار كانت لشراء سيارة للقطاع، ليستعملها الموظفون في الزيارات الميدانية للجمعيات، علما بأنه لافائدة فعلية من هذه الكتيبات؛ لأن الجمعيات لم تكن توزع هذه السلع في تلك الفترة، بدأت عملية توزيع الكتيبات، واستلمت جزءا كبيرا من القيمة المالية، وخرجت بعدها بتفرغ من العمل للدراسة، وكلفت غيري باستلام ماتبقى من قيمة الكتيبات، ففعلوا ذلك، ومنهم من أعطاني القيمة، ومنهم من أخذ نسبة بداعي عمله في المساء، أخذ الأمين سابقا مبلغ: 600 دينار، وادّعى أنها لشراء قرطاسية، وقد استعملها في مصلحته الشخصية، وأخذ مدير الشؤون الإدارية مبلغًا، ووضع مقابله صكًّا ليس له قيمة، فما حكم الزيادة في مبلغ الكتيبات، مع عدم شراء السيارة التي من أجلها كانت الزيادة؟ وما حكم الأموال التي أخذها الأمين وغيره من الزملاء؟ هل أتحمل مسؤولية إرجاعها إذا لم يرضوا بإرجاعها؟ وما حكم الأموال المتبقية عندي؟ وكيف أتخلص منها؟ وما حكم تقصيري طيلة مدة الدراسة وعدم اهتمامي، مع أني أنا المسؤول على الأموال؟ وكيف تكون توبتي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالموظف في جهة حكومية أو غيرها مؤتمن على ما وُكل إليه من عمل، وملزم بالقيام به على الوجه الذي تطلبه الجهة التي يعمل بها، مقابل ما يتقاضاه من أجرة على ذلك، بما قُدم إليه من إمكانيات، فإذا لم يكن من مهام اللجنة التي اجتمعت على الزيادة أن تزيد في ثمن الكتيب، فهي آثمة، وطريقها غير شرعي، ولا يجوز لها ذلك، ولا يجوز لأحد من الموظفين أن يجبي أموالا من الناس تعديًا من غير وجه حق، ولا يحق الاعتداء عليها، ولا على غيرها من أموال الدولة، ويعدّ هذا العمل من أكل مال الناس بالباطل، ومن التعدي على المال بغير حق، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: ((إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة)) [البخاري: 3746]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطًا فما فوقه؛ كان غلولًا يأتي به يوم القيامة)) [مسلم:1465/3]، وعلى من اغتصب شيئًا من الدولة أن يرده إليها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((على اليدِ ما أخذت حَتى تؤدِّيه)) [أحمد:20086]، فحرمة المال العام أعظمُ من حرمة المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدُّد الذِّمَمِ المالكةِ له، ولقد أنزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منزلةَ مال اليتيم الذي تجب رعايتُه وتنميتُه، ويحرم أخذه بغير وجه حق، والتَّفريط فيه. [مصنف ابن أبي شيبة:32914]، ويجب على من اختلس شيئا من هذه الأموال إرجاعها إلى ميزانية الدولة، أو إلى أحد المؤسسات الخيرية الموثوق بها، ويتحمل من مكَّن الآخرين من تضييعها مسؤولية إرجاعها إذا لم يرجعوها؛ لأنه المكلّف رسميا بجمع الأموال من قبل الدولة، أما عن كيفية التوبة؛ فكل الذنوب التي تتعلق بحقوق العباد، تحتاج في التوبة منها إلى التحلل من الحقوق بعفو أصحابها وتنازلهم، أو بإرجاعها إليهم، إلى جانب الإقلاع والندم، والعزم على عدم العودة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه)) [البخاري:110/9]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
23/جمادى الأولى/1435هـ
2014/3/24م