مراجعة قانون صندوق الزكاة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1881)
السادة/ صندوق الزكاة الليبي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالإشارة إلى مراسلتكم ذات الرقم الإشاري (245.3.1) بشأن إبداء الرأي الشرعي حول مشروع قانون إنشاء صندوق الزكاة، والملاحظات حوله، نفيدكم بما يلي:
بعد الاطلاع على مشروع قانون إنشاء صندوق الزكاة، تبين أنه قانون جيد، ينظم هذه الشعيرة العظيمة، ويكفل حق من وجبت لهم الزكاة، إلا أن هناك بعض الملاحظات حول بعض الفقرات الواردة في مشروع القانون، نأمل منكم الاطلاع عليها، وأخذها بعين الاعتبار، وهي على النحو التالي:
أولا: جاء في المادة العاشرة ما نصه: (تجب الزكاة في الدَّين إذا بلغ نصابًا، وحال عليه الحول).
وقد جاء التفريق بين الدين من قرض، والدين من تجارة، فالتاجر المدير يزكي ماله كل عام بشروط ثلاثة، وهي أن يكون الدين نقدا ، وأن يكون مرجوًّا، وأن يحل أجله؛ وذلك لما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: “كل دَين لك ترجو أخذه، فإن عليك زكاته كلما حال الحول” [ينظرالأموال:588]، وأما الدين من قرض فلا زكاة فيه حتى يقبضه، وإذا قبضه زكاه لعام واحد فقط، ولو بقي عند المدين سنين؛ ولذلك نقترح أن يكون نص المادة على النحو التالي: (تجب الزكاة في الدين الذي أصله من تجارة في كل عام، إذا كان الدين نقدا، وكان مرجوا، وقد حل أجله، ولا زكاة في الدين من قرض حتى يقبضه الدائن، فإذا قبضه زكاه لعام واحد، ولو بقي لدى المدين سنين).
ثانيا: جاء في المادة الرابعة عشرة: (تجب الزكاة في المال النامي حقيقة أو حكما، أما المال المقتنى للاستخدام الشخصي أو الاستخدام في النشاط (الأصول الثابتة) فلا زكاة فيه.
لفظة “المال” في المادة موهمة باشتراط النماء والاتجار في كل الأموال، وهذا غير صحيح، ولذلك نقترح أن يكون نص المادة على النحو التالي: (تجب الزكاة في المال النامي، حقيقة أو حكما، ولا تجب الزكاة في الأصول الثابتة، التي لم تُعد للنماء، وكذلك ما أعد للاستخدام الشخصي، مما لم يقصد به الاستثمار والتجارة).
ثالثاً: جاء في المادة التاسعة عشرة: (تجب الزكاة في الناتج من الأرض إذا بلغ نصابا، وهو خمسة أوسق، والذي يعادل (653) كيلو جرامًا فيما يوزن، ويكون مقدار زكاة الزروع والثمار هو العشر (10%) إذا سقيت بالري الطبيعي، ونصف العشر (5%) إذا سقيت بالري الصناعي، وسبعة ونصف (7.5%) إذا سقيت بكلتا الطريقتين…).
الأولى أن تتخذ كيلة تعيّر بها الأصناف التي تجب فيها الزكاة، بدل الوزن؛ لأن أوزانها، تختلف في الكيلة الواحدة.
ولم تحدد الأصناف التي تجب فيها الزكاة من الزروع في المادة، ولذلك نقترح أن تكون المادة على النحو التالي: (تجب الزكاة في الخارج من الأرض إذا كان من الأصناف التالية: الحبوب؛ هي “القمح والسلت والشعير والعلس والذرة والدخن والأرز”، وذوات الزيوت؛ “الزيتون، والسمسم، والقرطم، وحب الفجل الأحمر”، والتمر والزبيب، إذا بلغ نصابا، وهو خمسة أوسق، ووزنه من الحبوب: (653) كيلوجرامًا، والقطاني السبعة، ويكون مقدار زكاة الزروع والثمار هو العشر (10%)، إذا سقيت بالري الطبيعي، ونصف العشر (5%) إذا سقيت بالري الصناعي، و(7.5%) إذا سقيت بكلتا الطريقتين).
رابعاً: جاء في المادة الثامنة والعشرين ما نصه: (لا تسقط الزكاة بوفاة من وجبت عليه، كما لا تسقط بمضي المدة، ويكون لدين الزكاة امتياز على جميع أموال المدين بها).
والزكاة لا تقدم على الرهن، ولا على الحقوق التي تعلقت بالمعينين، كجنايته، وديونه التي للعباد، ولابد من الإشهاد لترتب الزكاة في الذمة بعد الموت، وإقراره بها، والوثيقة المعدة من صندوق الزكاة تكفي في هذا، ولذلك نقترح أن يكون نص المادة: (لا تسقط الزكاة بوفاة من وجبت عليه، إن أقرَّ بِها في الوثيقة المعدة من قبل الصندوق، أو أشهد عليها، كما لا تسقط بمضي المدة، ويكون لدين الزكاة امتياز على جميع الحقوق المتعلقة بحق الله تعالى فقط).
خامساً: جاء في المادة الحادية والأربعين ما نصه: (يراعى صرف الزكاة المحصلة خلال العام الذي حصلت فيه، ويجوز تأخير الصرف بناء على قرار من مجلس صندوق الزكاة، واستثمار نسبة معينة من الرصيد الفائض بالشروط الآتية:
أ. أن لا يوجد مستحق للزكاة يجب الصرف إليه حالا.
ب. أن تستثمر المبالغ بأساليب شرعية.
ت. الاستثمار في أوجه مربحة، وتجنب المخاطرة في أوجه الاستثمار.
ث. سهولة تسهيل الاستثمارات عند الحاجة.
ج. أن يكون الاستثمار لصالح الفقير).
فيما يتعلق باستثمار أموال الزكاة يحتاج الموضوع لمزيد من البحث؛ لذا سنحيل فحوى هذه المادة على مجلس البحوث التابع للدار.
سادساً : جاء في المادة الرابعة والأربعين: (يخصم من وعاء الزكاة ما يستحق من الضرائب المفروضة على المكلف خلال الحول، وإن لم يتم أداؤه لها فعلًا).
فإسقاط الزكاة بما يدفعه المكلَّف من ضرائب، مخالف للأصول الشرعية، وإسقاط لفريضة وجبت بغير سبب شرعي؛ لأن الضرائب إن لم تكن خدمية، فهي من المكوس المحرمة التي يجب إلغاؤها، فكيف تسقط بها هذه الفريضة الشرعية، وإن كانت الضرائب خدمية فهي مستحقة عن عوض تقدمه الدولة، من موظَّفين وأرضيات وتسهيلات، فهي جائزة، ولكنها لا تسقط الزكاة أيضا؛ لتعلق ذمة المكلف بها.
ينبغي تعديل المادة على النحو التالي: (يخصم من الالتزام الضريبي لدافعي الضرائب ما يسددونه من الزكاة عن أموالهم؛ تشجيعًا على الإقبال على دفع الزكاة).
سابعاً: جاء في المادة الثالثة والخمسين ما نصه: (يعزر المكلف بغرامة لا تجاوز مثلي قيمة الزكاة، أو مثلي قيمة ما قبضه بدون وجه حق، وتدفع لصندوق الزكاة …).
الأصل في العقوبات أن تكون بدنية، وقد نص الفقهاء على جواز معاقبة من تخلف عن أداء الواجبات وغيرها، ولكن لا تكون العقوبة بمال، وقد نص الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرها على منع العقوبة بالمال، وينبغي إيجاد صور من العقوبات الأخرى.
ثامناً: جاء في المادة الخامسة والخمسين ما نصه: (مقدار زكاة الفطر أربعة أمداد من غالب قوت أهل البلد، أو قيمته بالنقد، أيهما أنفع للمستحق، ويقوم الصندوق بتحديد قيمتها في وقتها).
إخراج زكاة الفطر طعامًا أولى من إخراجها نقودا، خروجًا من الخلاف، وعملًا بالنص، فينبغي التنبيه على ذلك، على أن يتم تحديدها في وقتها مع التنسيق والتشاور مع دار الإفتاء، فقد جرى العمل في سائر البلدان الإسلامية وفي ليبيا – قبل إغلاق دار الإفتاء في منتصف الثمانينات وبعد الثورة – أنها من اختصاص دار الإفتاء؛ لتعلقها ببراءة ذمة المكلفين، وتبصيرهم بأمور دينهم، وهو من صلب اختصاصات دار الإفتاء.
هذه جملة الملاحظات التي رأتها دار الإفتاء حول مشروع القانون، وينبغي تعديلها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
6/جمادى الآخرة/1435هـ
2014/4/6م