وصية صحيحة ماضية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى ( 1917)
تعرفتْ عائلتي منذ (45) سنة على امرأة تسكن وحدها، وليس لها قريب، فأعناها وحميناها، واعتبرتُها أمًّا لي، فكنتُ أبيت عندها وأنا صغير، ثم توليتُ رعايتها بعد وفاة أبويّ، فدفعتُ لها ثمن أقساط بيتها التي عليها للدولة دفعة واحدة (5000 د.ل)، وقمت بصيانة بيتها على حسابي الخاص، ثم هدمت الدولة البيت لقِدمه، وعوضتْها عنه بمبلغ (108000 د.ل)، فاشتريت لها شقة بـ(75000 د.ل)، وأعطيتها (2000 د.ل) لشراء الأثاث، وأودعتُ الباقي في حسابها (31000 د.ل)، ثم إني سافرت خارج البلد للدراسة، فساءت علاقتها مع العائلة، ووقع الريب في كيفية تصرفها في مالها، حيث لم يوجد في حسابها عند موتها إلا (8450د.ل)، في غضون خمس سنوات، مع أنها امرأة عجوز ليس لها أحد، ولها مرتب ضماني (450د.ل)، ولما رجعتُ من السفر وجدتها مريضةً جدا، فحاولت الاعتناء بها، وقررتُ أن أعالجها في بريطانيا، ولكن رفض جارها تسليمي جواز سفرها، ثم ماتت بعد 4 أيام، علما بأني لم أستطع التواصل معها بالهاتف أثناء سفري؛ لأن النقال الذي اشتريته لها باعتْه بعد أسبوع.
وبعد موتها أتاني جارها بوصية موثقة عند محرر عقود قبل وفاتها بسنة تقريبا، نصّها: “أوصي بعد وفاتي بأن يتولى السيد … إدارة واستلام جميع ما أملك، والتصرف فيه بالبيع، والتصدق بمالي هذا كله لبيوت الله واليتامى والمحتاجين (صدقة جارية)..”، فما حكم ذلك؟ وهل تنفذ الوصية إذا كانت في مرض الموت؟ ومن له الحق في شقتها؟ خاصة إذا علم أن ثمن البيت القديم الذي دفعتُه لها سجل عند محرر عقود كعقد بيع، يعني أن البيت القديم ملك لي، والشقة التي اشتريتها بتعويض البيت سجل عقد شرائها باسمها.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، فإن الشقة ملكٌ لها، حسب مستند الشراء الذي يثبت ملكيتها، وكذلك التعويض، سُلم لها بإذنك ورضاك؛ لأنك لم تنازع، ولم تعترض على تصرفها في المال طيلة هذه السنين، ووصيتها المذكورة – وهي لا وارث لها ولا ذا رحم – صحيحة ماضية – في الثلث أو في كل المال، على قولين – ولو كانت في مرض الموت، مادام الموصي يعقل، وهو ما أثبته محرر العقود الذي حرر الوصية، ولكنها تمضي في الثلث فقط إذا ثبت وقوعها في مرض الموت، والباقي إن لم يوجد لها قرابة عصبة وارثون يعطى لقرابتها من ذوي الأرحام، إن كان لها قرابة من ذوي الأرحام، فإن لم يوجدوا فيصرف المال على من ذكر في الوصية، وعلى معاهد العلم ومصالح المسلمين العامة، قال أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي رحمه الله: “ومن لا وارث له معلوم، له أن يوصي بجميع ماله، ويضعه حيث شاء، هذا هو الصحيح من المذهب، الآن وقبل ذلك…، وهو مذهب أهل العراق، وهو الأرجح، وقد قال أبو الحسن اللخمي رحمه الله: إنما يحسن الخلاف إذا أوصى به للأغنياء، وأما إذا أقر به للفقراء فلا يختلف في ذلك قول سحنون ولا غيره، أن ذلك ينفذ للفقراء” [المعيار المعرب:359/10]، قال الطرطوشي رحمه الله: “رأيت لابن القاسم في (كتاب محمد) قال: من مات ولا وارث له، قال: يتصدق بما ترك، إلا أن يكون الوالي يخرجه في جهته، مثل عمر بن عبد العزيز، فيدفع إليه” [التوضيح:667/6].
وأما الذي له حق تنفيذ الوصية، والتصرف في العقار وغيره من تركتها، فهو الجار المذكور، إلا أن يتبين عدم نصحه، فيرفع أمره إلى القاضي؛ ليولي من يصلح ويتصرف بما ينفع الميت، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
21/جمادى الآخرة/1435هـ
2014/4/21م