استحقاق زوجة ما صرفه زوجها من مالها على وجه الدَّين
الدَّين يقضى به قبل قسمة التركة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4060)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي رجل، وعليه دينٌ التزم به لزوجته بقوله: (اعتبري أي مبلغ قمتِ بدفعه في بناء المنزل أو صيانته دين في رقبتي وسأدفعه لك)، وكانت الزوجة قد دفعت مبلغًا ماليًّا لصيانة بيت العائلة وشراء أثاث، فهل تستحق الزوجة المبلغ المذكور من تركة الرجل، أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فمن دفع عن شخص مالًا، وكان من شأنه أن يدفع ذلك المال؛ لكونه واجبا عليه في ذمته أو غير واجب، كان له الحق في أخذه والمطالبة به، إن قال إنه دفع ذلك على سبيل المداينة، ولم ينو الدافع به التبرع عند إعطائه، قال القرافي رحمه الله: “قَاعِدَةٌ مَذْهَبِيَّةٌ: مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ مَالًا شَأْنُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، رَجَعَ بِذَلِكَ الْمَالِ وَبِأُجْرَةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ، نَقَلَهَا صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِر فِي الْإِجَارَة، تَنْزِيلًا لِلِسَانِ الْحَالِ مَنْزِلَةَ لِسَانِ الْمَقَالِ” [الذخيرة: 9/93]، وقال التسولي رحمه الله: “قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَكُلُّ مَنْ أَوْصَلَ لَكَ نَفْعاً بِعَمَلٍ أَوْ مَالٍ وَإِن بِغَيْرِ قَصْدِ نَفْعِكَ كَأنَ حَرَثَ أَرْضَكَ ظَانّاً أَنَّهَا لَهُ أَوْ لَمْ تَأْمُرْهُ بِهِ مِمَّا لاَبُدَّ لَكَ مِنْهُ، كَحَرْثِهِ أَرْضَكَ أَوْ سَقْيِهِ إِيَّاهَا أَوْ حَصْدِ زَرْعِكَ أَوْ طَحْنِ حَبِّكَ أَوْ حَفْرِ بِئْرِكَ أَوْ بِنَاءِ دَارِكَ أَوْ أَنْفَقَ عَلَى زَوْجَتِكَ أَوْ وَلَدِكَ أَوْ عَبْدِكَ لَزِمَكَ أُجْرَةُ الْعَمَلِ، وَمِثْلُ الْمَالِ الَّذِي أَنفَقَهُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ عَنكَ بِوَاجِبٍ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَهْوَ غَاصِبٌ لاَ شَيْءَ لَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ بِالْأُجْرَةِ، وَبِمِثْلِ الْمَالِ الْمُنْفَقِ، فَإِنْ كَانَ عَمَلاً لاَ تَحْتَاجُ لَهُ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضِكَ لاَ حَاجَةَ لَكَ بِهِ، أَوْ أَنفَقَ عَلَى مَن لاَ تَلْزَمُكَ نَفَقَتُهُ، أَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِمَّا تَلِيهِ بِنَفْسِكَ أَوْ عَبِيدِكَ أَوْ دَوَابِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ اهـ باختصار وتقديمٍ وتأخيرٍ وزيادةِ للإيضاحِ، وهذه الكليةُ ذكرها ابنُ حارثٍ .. ونقلها ابنُ شاس وابنُ الحاجبِ وابنُ عَرَفَةَ .. وسلمُوهَا، وَلَمْ يَعْتَرِضُوا مِنْهَا شَيْئاً” [البهجة شرح التحفة: 2/347].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فإن الزوجة تستحق ما دفعته عن زوجها، مما الشأن والعادة أن يدفعه الزوج بنفسه، بعد سؤالها عن قصدها عند دفعها المال المذكور على أي وجهٍ كان، فإن ادعت أنها أعطت المال لتحاسب به لاحقًا، فهو دين على زوجها يؤدى لها من التركة، وليس للورثة المطالبة بشيء قبل قضائهم دين مورثهم، ويؤخذ منهم جبراً، وليس ذلك متوقفاً على رضاهم أو تنازلهم؛ لقول الله عز وجل: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء: 11]، بل تنبغي المسارعة بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) [الترمذي: 1078]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11// ربيع الآخر// 1441 هجرية
08// 12// 2019م