بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4083)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
هل يجوز التنازل عن الأرش؟ وهل يجوز للمتنازِل أن يرجع عن تنازله دون موافقة المتنازل له؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الأرش يعتبر دينًا على مَن هو عليه، ويكون نظير جراحة أو عيب في المبيع، قال المناوي رحمه الله: “الْأَرْشُ: الْمَالُ الْوَاجِبُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ” [التوقيف في مهمات التعاريف:45]، وقال ابن الأثير رحمه الله: “وَهْوَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْبَائِعِ، إِذَا اطُّلِعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ” [النهاية:1/39]، والتنازل عن الدين هو إبراء للمدين منه، والإبراء جائز، ولكن لابد للمتنازل له من القبول، قال الخرشي رحمه الله: “وَكَذَلِكَ تَجُوزُ هِبَةُ الدَّيْنِ الشَّرْعِيِّ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ، لَكِنْ إنْ وُهِبَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَهُوَ إبْرَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ” [الخرشي:7/103]، وإن سكت بحيث لم يُعْلَم قَبِل أو لا ففي المذهب قولان، قال الحطَّاب: “قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَهَبَكَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْك فَقَوْلُكَ قَدْ قَبِلْتُ قَبْضٌ وَإِذَا قَبِلْتَ سَقَطَ، وَإِنْ قُلْت لَا أَقْبَلُ بَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ، أَبُو الْحَسَنِ وَإِنْ سَكَتَ فَقَوْلَانِ… فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْهِبَةُ سَاقِطَةٌ وَقَالَ أَشْهَبُ: الدَّيْنُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ” [مواهب الجليل:6/52]، وبما أن المتنازِل قد أبرأ المتنازَل له من الأرش -كما هو مرفق في عقد التنازل- فلا يجوز له الرجوع عن هذا الإبراء؛ لأنه من قبيل الهبة التي لا يجوز الرجوع فيها؛ لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) [أبوداود:3539]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11// جمادى الأولى// 1441هـ
06// 01// 2020م