بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4024)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
هل يجوز شرعًا استبدال قطعة الأرض التي عليها المسجد، بقطعة أخرى أفضل منها وأكبر؛ وذلك لبناء مسجد جديد عليها، وإرجاع الأرض الحالية التي عليها المسجد إلى أهلها؟ وذلك للأسباب التالية:
- نتيجة للتوسع العمراني وقرب المسجد من الطريق العام، مما أدى إلى حدوث الازدحام وكثرة الحوادث، مع العلم أنه قد تم إنشاء مطبات، وتمت إزالتها من بعض الجيران، إضافة إلى تشويش ضوضاء السيارات المسرعة ذهابا وإيابا من أمام المسجد على المصلين.
- المسجد قد ضاق بأهله، ولم يعد قادرًا على استيعاب عدد المصلين، خاصة في صلاتي الجمعة والعيد.
- يوجد انحراف في قبلة المسجد (30) درجة عن الاتجاه الصحيح، وتعديلها إلى الاتجاه الصحيح سيؤدي إلى قطع صفوف المصلين بالأعمدة داخل المسجد، إضافة إلى عدم تساوي المسافات بين الصفوف.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالحال الذي ذكر في السؤال – من ضيق المسجد في الجمعة والعيدين وانحراف القبلة – لا يجيزُ مناقلة أو تغيير مكان المسجد الحالي، ويمكنكم توسعة المسجد مما حوله، ويجبر على البيع للمسجد إن احتيج لتوسعته لضيقه عن المصلين، أما الانحراف فالواجب إصلاحه، ويبقى المسجد على ما هو عليه، ولا حرج في ذلك وإنِ انقطعت الصفوف، وأما ما ذكر من ضرر الحوادث والتضييق على المارّين لقربه من الطريق العام، فإن المعتبر في إثبات الضرر وكيفية إزالته والقدر المزال وغير ذلك نظر أهل الاختصاص وتقديرهم، من العلماء الشرعيين والقضاة، ثم لهم الاستعانة بمن شاءوا لتحديد الضرر، وما هو الحل المناسب لإزالته، قال ابن عظوم القيرواني رحمه الله: “وَفِي الْقَاسِمِيَّةِ: … الضَّرَرُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ يُوجِبُ إِزَالَةَ مَا يَقْتَضِي إِزَالَتَهُ شَرْعاً وَيَسْتَلْزِمُهُ، وَمِنْهُ خَفِيٌّ، وَظَاهِرٌ، وَقَوِيٌّ، وَضَعِيفٌ، وَمَأْذُونٌ فِيهِ، وَمَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعاً، وَمُعْتَبَرٌ تَجِبُ إِزَالَتُهُ وَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ فَقَطْ بَلْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ سَبَبِيَّةِ مَا هُوَ سَبَبٌ شَرْعاً لِإِزَالَتِهِ، وَوَجَبَ فِيهِ رِعَايَةُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى تَحْرِيرِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ بِاعْتِبَارِ إِظْهَارِ أَعْيَانِهَا وَمَقَادِيرِهَا وَبَيَانِ أَحْوَالِهَا، وَهْوَ مَخْصُوصٌ بِالْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الْفَهْمِ عَنِ الشَّرْعِ بِمَعْرِفَةِ مَقَاصِدِهِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَهُمْ أَهْلُ التَّحْصِيلِ لِلْمَقَاصِدِ فِي الْمَشْرُوعَاتِ وَأَحْوَالِهَا … وَلَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ فَرْحُونَ: تَحْقِيقُ صُورَةِ الْإِضْرَارِ تَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ” [تذكير الغافل وتعليم الجاهل: 292].
عليه؛ فالواجب عليكم تشكيل لجنة من علماء المنطقة لمعاينة المكان، والنظر فيما ذكر من شدة الازدحام وكثرة الحوادث، وهل يتعين تغيير محل المسجد لأجله أم لا، وفي نهاية الأمر حتى لو رأت اللجنة أن ظروف المسجد لا تسمح بالاستمرار فيه على الوضع الحالي وأنه يحتاج لبناء مسجد آخر، فإنه يتم العمل على بناء مسجد آخر يخفف عن هذا المسجد ويبقى المسجد الأول على حاله تصلى فيه الأوقات، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07// ربيع الأول// 1441 هـ
04// 11// 2019م