فرض الغرامة المالية على العامل أو المستأجَر بسبب تفريطه في تنفيذ العمل المكلف به
حكم الغرامة المالية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4137)
السادة/ مكتب الشؤون القانونية بدار الإفتاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة السؤال عن حكم مطالبة شركة (ط) لخدمات النظافة العامة بالتعويض من المعهد العالي للعلوم الشرعية، عن التأخير في سداد مستحقاتها المالية، بموجب نص المادة (92) من قرار مجلس الوزراء (563) لسنة 2007، بإصدار لائحة العقود الإدارية المعدلة بموجب القرار رقم (926) لسنة 2007، والسؤالَ عن فرض غرامة على الشركة بسبب تأخّرها في تنفيذ التزاماتها بموجب المادة (102)، من نفس القرار المشار إليه أعلاه.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن فرض غرامة مالية على التأخر في سداد المستحقات المالية أمر محرمٌ، لا يجوز شرعًا، وهو بعينه ربا الجاهلية، الذي نص القرآن على تحريمه في قوله تعالى: ﴿ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:278-279]، قال مالك: “عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ، إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْحَقُّ، قَالَ: أَتَقْضِي، أَمْ تُرْبِي؟ فَإِنْ قَضَى، أَخَذَ، وَإِلاَّ زَادَهُ فِي حَقِّهِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الْأَجَلِ”[الموطأ: 2480]، فلا يجوز الدخول في عقد يشتمل على هذا الشرط، ولا يجب الوفاءُ به بعد الدخول فيه، جاء في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي -رقم (8) في دورته الـحادية عشر، سنة 1409ه- ما نصه: “الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغًا من المال غرامة مالية جزائية محددة، أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية، الذي نزل القرآن بتحريمه”.
وأما فرض غرامة على العامل أو المستأجَر بسبب تفريطه في تنفيذ العمل المكلف به، فيجوزُ، ما لم تكن هناك ظروف قاهرة تمنعه من أداء عمله على الوجه المطلوب، ويجب الوفاءُ بذلك؛ للأدلة الكثيرةِ الدالة على الوفاءِ بالعقودِ والعهودِ والشروطِ، كما لا يجوز تضمينُه ما يتلفُ بسببِ الاستعمالِ العادي، بلا تعدٍّ منه ولا تفريط؛ لأنَّ يدَ المستأجر والعامل يد أمانة لا ضمان، وإنما يضمنُ فقط ما نجمَ من تلفٍ بسببِ التفريطِ والتعدِّي، قال ابن القاسم رحمه الله: “لاَ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ إلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى، أَوْ يُفَرِّطَ” [المدونة:427/3].
عليه؛ فلا يجوز لربّ العملِ تضمينُ الطرف الآخرِ، حتى يتحَقّقَ ويُثبتَ تقصيرَ العاملِ أو الأجيرِ، ويُثبت مع ذلك وقوع ضررٍ عليه بسبب هذا التفريط، جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي [رقم: 109 (12/3)]، في دورته الـثانية عشر، سنة 1421هـ، ما نصه: “خامسًا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.
سادسًا: لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارجٍ عن إرادته، أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أيّ ضرر من الإخلال بالعقد”، وللطرفين في حالِ التنازعِ الرجوعُ إلى حَكَمٍ أو خبيرٍ ليفضَّ النزاعَ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06// رجب// 1441هـ
01// 03// 2020م