بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1961)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
كان والدي في حياته قد اشترى مزرعة، وطلب مني مبلغًا ماليًّا ليسدد قيمة هذه المزرعة، فدفعت له مبلغًا يساوي 35% من قيمة المزرعة، وبعد وفاة الوالد رحمه الله قمت أنا وبعض الأخوة باستحداث مبانٍ في المزرعة (حظيرة حيوانات، وبيت)، فحصل نزاع حولها بين الورثة، فحكّمنا بعضَ المشايخ، وفي مجلس التحكيم تنازلت عن نصيبي من العقارات القائمة في المزرعة، وطالبت بنصيبي من الأرض، وبعدها بأيام – عند تنفيذ المقاسمة – حصل نزاع بين إخوتي، ونقضوا الصلح.
ـ هل يحق لي المطالبة بالمال الذي أعطيته لوالدي لسداد ثمن المزرعة؟
ـ هل الأشياء التي استحدثت في المزرعة من بعض الورثة بعد وفاة الوالد، تدخل في مجمل التركة؟
ـ هل يحق لي الرجوع في التنازل عن حقي في العقارات بعد نقض الإخوة للصلح؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان المال الذي دفعته لوالدك لست متبرعًا به له في ذلك الوقت، فلك الحق في الرجوع عليهم بما دفعته قبل القسمة، وإن كنت فعلت ذلك متبرعًا، فلا تستحق في مقابله شيئًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (…، ولا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) [مسلم:1239/3].
وبالنسبة للأشياء التي أنشأت في المزرعة من بعض الشركاء بعد وفاة الوالد رحمه الله، إن كان تصرفهم من غير إذن باقي الشركاء ولا علمهم، بأن كان الشريك غائبًا، أو حاضرًا ولا عِلْم له، فالواجب هو قسمة الأرض، ثم إن كان البناء وقع في حصة من بنى، كان البناء له، وعليه كراء الأرض لشركائه بقدر ما انتفع من المدة قبل القسمة، وإن وقع البناء في حصة الشريك الآخر، خُيِّرَ من لم يبن أن يعطى للباني قيمة بنيانه منقوضًا، وبين أن يسلم إليه نقضه ينقله، ويكون له من الكراء على الباني بقدر ما انتفع به من البنيان، قال ابن عبد البر رحمه الله: “ومن بنى أو غرس في أرض بينه وبين شريكه بغير إذنه، أو كان غائبا، فإنهما يقتسمان الأرض، فإن صار للباني ما بناه في حصته من الأرض كان له بنيانه، وكان عليه من الكراء بمقدار ما انتفع به من نصيب شريكه، وإن صار البنيان أو الغرس في نصيب شريكه، خير بين أن يعطى له قيمة بنيانه منقوضا، أو قيمة غرسه مقلوعا، وبين أن يسلم إليه نقضه بنقله، ويكون له من الكراء على الباني بقدر ما انتفع به من حصة شريكه الغائب” [الكافي:489/1].
وإن كان تصرفهم بإذن باقي الشركاء أو بعلمهم دون إنكار منهم، بأن كانوا عالمين ولم يتكلموا، فللباني قيمة البناء قائمًا، قال الإمام مالك رحمه الله: “كل من بنى بإذنك أو علمك فلم تمنعه، ولا أنكرت عليه، فله قيمته قائما كالباني بشبهة، وكذلك المتكاري أرضا أو منحها أو بنى في أرض امرأته وأراضي بينه وبين شركائه بعلمهم فلم يمنعوه، والباني بغير إذن ولا علم له القيمة مقلوعا” [الذخيرة:213/6]، وتقدر القيمة حسب وقت الحكم وفض النزاع.
فإن القسمة التي تراضى عليها الورثة ماضية، ولا يحق لأحد الرجوع عنها، ولو حصل بها غبن، ما دام الجميع قد رضوا بها، وكانوا بالغين راشدين، ومضت على القسمة مدَّة، ولم يقم أحد بالغبن، سواء كانت القسمة عن تصالح وتنازل، أو كانت قسمة تقويم وقرعة، ولا يحق لمن تنازل عن شيء في القسمة برضاه ودون إكراه أو حياء، أن يرجع هو أو ورثته فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) [البخاري:2621، مسلم:1622]، قال ابن رشد رحمه الله: “القسمة من العقود اللازمة، فإذا وقعت … بوجه صحيح جائز لزمت” [المقدمات الممهدات:104/3]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الغرياني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14/رجب/1435هـ
2014/5/13م