بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4147)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤالان التاليان:
السؤال الأول: قمت ببناء منزل فوق منزل الوالد بإذن منه، ومن نفقتي الخاصة، وساعدني الوالد رحمه الله بمبلغ مالي للبناء، وليس دَينًا، فهل باقي الورثة لهم الحق في هذا المنزل الذي بنيته؟ وهل لهم الحق في القيمة التي أعطاني إياها الوالد رحمه الله ؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن مَن بَنى بإذنِ المالك وعلمِه استحق قيمة بنائِهِ قائمًا، قال القرافي رحمه الله: “قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: كُلُّ مَنْ بَنَى بِإِذْنِكَ أَوْ عِلْمِكَ فَلَمْ تَمْنَعْهُ وَلَا أَنْكَرَت عَلَيْهِ فَلهُ قِيمَته قَائِماً كَالْبَانِي بِشُبْهَةٍ” [الذخيرة: 6/213]، وتقدر القيمة وقت الحكم، ومثله وقت المطالبة والقسم في هذه الحالة، قال الدّردير رحمه الله: “(وَإِن بَنَى) ذُو الشُّبْهَةِ (أَوْ غَرَسَ) فَاسْتُحِقَّ (قِيلَ لِلْمَالِكِ) الَّذِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ: (ادْفَعْ قِيمَتَهُ قَائِماً) مُنْفَرِداً عَنِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ بَنَاهُ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ (فَإِن أَبَى قِيلَ لِلْبَانِي: ادْفَعْ) لِمُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ (قِيمَةَ الْأَرْضِ) بَرَاحًا (فَإِن أَبَى) أَيْضاً (فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ) هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ بَرَاحاً، وَهَذَا بِقِيمَةِ بِنَائِهِ أَوْ غَرْسِهِ قَائِماً (يَوْمَ الْحُكْمِ) لاَ يَوْمَ الْغَرْسِ أَوِ الْبِنَاءِ” [الشرح الصغير: 3/622].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، فينظر لقيمة منزل الوالد رحمه الله مع الأرض كم تساوي، ولقيمتها بالبناء الذي بنيته فوق بيت الوالد رحمه الله كم تساوي، ويعطى مَن بَنى ما زاده البناء على قيمة المنزل مع الأرض، ثم تقتسمون قيمة المنزل مع الأرض بينكم على الفريضة الشرعية، وأما مساعدة الوالد لك فإن كان الحال فيها كما ذكر، فهي هبة تامة، لا حقّ فيها لباقي الورثة، إلا إن تبين أن الوالد رحمه الله أعطاها لك على سبيل المداينة، والله أعلم.
السؤال الثاني: قمت بعملية صيانة لمنزل الوالد رحمه الله ، وهي عبارة عن حفر بئر ماء، وماجن لتجميع الماء، وشراء باب حديد، وتكبير غرفة الضيوف، وتغيير شبكة مياه الشرب والصرف الصحي، فهل لي الحق في استرجاع المبلغ الذي دفعته لأجل ذلك، بعد بيع المنزل من قبل الورثة، مع العلم أنني أسكن في منزل الوالد رحمه الله ؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فمن دفع عن شخص مالًا، وكان من شأنه أن يدفع ذلك المال؛ لكونه واجبًا عليه في ذمته أو غير واجب، كان له الحق في أخذه والمطالبة به، إن قال إنه دفع ذلك على سبيل المداينة، ولم ينو الدافع به التبرع عند إعطائه، قال القرافي رحمه الله: “قَاعِدَةٌ مَذْهَبِيَّةٌ: مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ مَالًا شَأْنُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، رَجَعَ بِذَلِكَ الْمَالِ وَبِأُجْرَةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ” [الذخيرة: 9/93].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فإنك تستحق ما دفعته نيابة عن الورثة، في صيانة المنزل، مما الشأن والعادة صيانته، كتغيير شبكة مياه الشرب والصرف الصحي، وحفر بئر الماء، وماجن تجميع الماء، وشراء باب حديد، إن كان قصدك عند دفعك المال المذكور أنك أعطيته لتحاسب به لاحقًا، فهو دين على الورثة، يؤدى لك من التركة، أو من غيرها، بعد خصم ما ينوبك من حصتك في الصيانة؛ لأنك واحد منهم، لا إن قصدت بذلك النفع لنفسك، حال سكناك المنزل، وننبه السائل إلى أن قسمة الصيانة بين الورثة تكون على حسب نصيب كل وارث من التركة، وأما ما ذكرته من تكبير غرفة الضيوف فيجري على مَن بَنى بإذنِ المالك أو علمِه، استحق قيمة بنائِهِ قائمًا، فلك أخذ ما زادته قيمة التوسيع على نحو ما ذكر في السؤال السابق، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
13// رجب// 1441هـ
08//03// 2020م