حكم التعدي والاستيلاء على الغابات العامة، وحكم بيعها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1971)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم التعدي والاستيلاء على الغابات العامة، وما حكم بيعها، وهل ينتقل به ملك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا الفعل من حرق الغابات العامة، وقطع أشجارها، والاستيلاء عليها بالقوة، بمساحات شاسعة، كما نرى في شرق البلاد وغربها وجنوبها؛ غابات الطريق الساحلي الطويل على امتداده الشرقي والجنوبي، وغابات الجبل الأخضر التي تكسوها الخضرة الدائمة صيفا وشتاء، على امتدادها من شرق مدينة بنغازي إلى تخوم مدينة درنة ورأس الهلال، هو من التعدي على المال العام، ومن الغلول الذي هو عارٌ ونارٌ وشنارٌ، فإن حرمة المال العام أعظمُ إثما ووِزرًا من حرمة المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدُّد الذِّمَمِ المالكةِ له، ولقد أنزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منزلةَ مال اليتيم، يقول الله تبارك وتعالى عن آكل مال اليتيم: )إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(.
وهو أيضا من الفساد في الأرض، وعمل اللصوص وقطاع الطرق، في ظل غياب القانون وسلطان الدولة.
ويَعْظُمُ إثم المتعدي على هذه الغابات من وجه آخر، من جهة ما يترتب عليه من ضرر عام واسع بالبيئة، وبتغيير معالم الأرض، وقطع أشجار عمرها مئات السنين، لا يمكن تعويضها ولا التسامح فيها، فلا يفعل مثل هذا العمل البغيض الشنيع، عند عقلاء الناس وفي عرف الشرع الحنيف، إلا مفسدٌ عديم الخلق والضمير، مستهتر غير مبالٍ بمقت الله تعالى وغضبه ولعنته وحرمانه، وطرد فاعله من رحمة الله، فهو ليس غصبا وتعديا فقط، بل هو من السعي في الأرض بالفساد، ومن تغيير معالم الأرض، صاحبه ملعون بلعنة الله تعالى ورسوله والمؤمنين، ومستحق للتطويق والعذاب بالنار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملعون من غير معالم الأرض أو تخوم الأرض) [المستدرك:8053]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، طوَّقه الله يوم القيامة من سبع أرضين) [مسلم:1230/3].
ولا يحل لمن اغتصب هذه الغابات بيعُها، ولا يَحلُّ لأحد الشراء من هؤلاء الغُصَّابِ، ولا الكِراء؛ ولا الصلاة ولا الإقامةُ في الأرض المغصوبة، أو التعامل فيها بوجه من الوجوه، بل الواجب الخروج منها على الفور، والتبري منها، وردّها لأملاك الدولة، والواجب على السلطات المختصة متابعةُ مَنْ تَعَدَّى وظلم، وأخذ شيئا منها، أو اشترى منه، أو عامله فيها بوجه من الوجوه، ولو بعد مائة عام، ومعاقبتُهم، والأخذُ على أيديهم؛ لإثمهم الكبير، وجرمهم العظيم؛ في حق أنفسهم، وحق بلدهم وأمنهم، وسوء أعمالهم، وكلُّ تصرف في هذه الأراضي باطلٌ مردودٌ لا يصح؛ لأنه من التعاون على الإثم، قال الله تعالى: )وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة:2].
وعلى من اغتصب شيئًا من الدولة أن يَرُدَّه إليها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (على اليدِ ما أخذت حَتى تؤدِّيه) [الترمذي:1266]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/رجب/1435هـ
2014/5/18م