بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4215)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي والدي عن ثلاثة أبناء وثلاث بنات، وترك بيتًا كبيرًا من طوابق مع خمسة محلات تابعة له، أمّا المحالّ فتتم قسمة إيجاراتها على جميع الورثة حسب الفريضة الشرعية، وأما البيت فتسكنه الأم والأبناء بأسرهم، مع بقاء طابق شاغر، والبيت معروض كاملا للبيع من مدة، ليقسم حسب الفريضة الشرعية، وقد اتفقت الأم والأولاد على التنازل عن نصيبهم في إيجار أحد المحلات؛ ليقسم على البنات فقط، لعدم انتفاعهم من البيت حتى يباع، إلا أنّ أحد الأبناء اعترضَ؛ لإمكان أن يستغل البنات الطابق الشاغر، فما حكم الاتفاق؟ وهل يلزم به من اعترض؟ وهل للبنات مطالبة الأبناء بدفع ايجار نظير سكناهم البيت؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن ميراث الميت ينتقل بموته إلى الورثة، ويجب على الورثة أن يبادروا إلى قسمة التركة، مِن حِين موت المورث، ولا يجوز لهم تعطيلُ القسمة، والبيت مادام كبيرا يمكن قسمه بين الورثة حسب نصيب كلٍّ بلا ضرر يلحقهم – كأن يأخذ جزءًا يسيرًا لا يمكن الانتفاع به – وجب قسمه؛ بتمكين جميع الورثة بالانتفاع من البيت بقدر حظهم، قال ابن أبي زيد رحمه الله: “وما انقسم بلا ضرر قسم من ربع وعقار، وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجْبرَ عليه من أَبَاه” [الرسالة:136].
وأما مطالبة البنات الأبناء بدفع إيجار نظير سكناهم، فإن كان انتفاعهم بالسكنى بقدر حظّهم حسب الفريضة الشرعية، فلا يلزمهم دفع شيء، وإن انتفعوا بأكثر من حظّهم فيلزمهم الأجرة فيما زاد، قال الدّسوقي رحمه الله: “إذَا كَانَتْ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ مَثَلًا، وَأَشْغَلَهَا [أحدهما] بِالسُّكْنَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ إنْ سَكَنَ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْهَا رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ اتِّبَاعِ شَرِيكِهِ لَهُ إلَّا هَذَا الشَّرْطُ، وَهُوَ سُكْنَاهُ قَدْرَ حِصَّتِهِ” [حاشية الدسوقي3/466].
وأما ما اتفق عليه بعض الورثة، فللورثة أن يصطلحوا بأيّ وجهٍ لا يكونُ فيه غبنٌ لأحدٍ من الورثة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلاَّ صُلْحًا أَحَلّ حَرَامًا أَوْ حَرّمَ حَلَالًا) [أبوداود:3594]، فإن اصطلحوا على شيء فيلزم، ما دام الجميع قد رضوا به، وكانوا بالغين راشدين، ودون إكراه أو حياء، وعليه؛ فلا يجبر على الموافقة من اعترض على الاتفاق المذكور، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06//ذو الحجة//1441 هجرية
27//07//2020م