الاعتمادات المستندية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2057)
الإخوة: شركة الاتحاد العربي للمقاولات.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فبالإشارة إلى أسئلتكم المقدّمة بخصوص الاعتمادات المستندية، فالتفصيل والجواب كالآتي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
معنى (الاعتماد المستندي):
الاعتمادات المستندية عبارة عن تعهد مكتوب من المصرف للبائع (المستفيد)، بناء على طلب المشتري (الآمر)، يلتزم فيه المصرف بوفاء البائع حقه في حدود مبلغ معين، خلال فترة معينة، شريطة تسليم مستندات البضاعة مطابقة لتعليمات المشتري.
يختلف تكييف الاعتماد المستندي شرعًا بحسب نوعه.
تكييف الاعتماد:
فإن كان الاعتماد مغطى بالكامل، (وهو الاعتماد الذي يشترط فيه المصرف تغطية قيمة الاعتماد كاملاً في حساب العميل طالب الاعتماد)؛ فإنه يكيف على أنه وكالة من العميل للمصرف، في القيام ببعض الخدمات الإجرائية، التي من أهمها: سداد المبلغ للبائع بعد فحص المستندات، والتحقق من شحن البضاعة، ومطابقة المستندات لتعليمات المشتري.
والوكالة جائزة شرعًا، ويجوز للمصرف أن يأخذ عليها أجرًا، سواء كان مبلغًا مقطوعًا، أو نسبة مئوية من قيمة الاعتماد.
وإن كان الاعتماد مغطى جزئيا، (وهو الاعتماد الذي يشترط فيه المصرف تغطية نسبة محدودة من قيمة الاعتماد في حساب العميل طالب الاعتماد)؛ فإنه يكيف على أحد وجهين:
أ- تكييفه على أساس الوكالة في القدر المغطى، والكفالة في القدر غير المغطى؛ لأنَّ المصرف ملزم بسداد المبلغ في الموعد، إن عجز المشتري، أو تأخر عن سداده، وعلى هذا فإنَّ التزام المصرف وتعهده هو في قوة إقراض للعميل المشتري.
وفي هذه الصورة، يجوز للمصرف أن يأخذ أجرة على الوكالة، ولا يحق له أن يأخذ أجرة على الكفالة؛ لأن مقتضاها الاستعداد للإقراض، وأخذ الفائدة على الإقراض من الربا المحرم.
ب- تكييفه على أساس الوكالة في القدر المغطى، والمشاركة في القدر غير المغطى؛ بأن يكون المصرف شريكًا للعميل المشتري بالجزء غير المغطى، ويتقاسمان الربح على أساس ذلك.
وفي هذه الصورة يمكن للمصرف أخذ أجرة على الوكالة، ويستحق من الربح بقدر مشاركته بالجزء غير المغطى.
وإن كان الاعتماد غير مغطى، (وهو الاعتماد الذي يصدره المصرف دون اشتراط وجود تغطية لقيمة الاعتماد في حساب العميل طالب الاعتماد)؛ فإنه يكيف على أحد ثلاثة أوجه:
أ- تكييفه على أساس الوكالة والكفالة؛ (وكيل بالتنفيذ، كفيل بالمال؛ لأن القيمة غير مغطاة بالكامل).
ب- تكييفه على أساس المرابحة؛ (بأن يشتري المصرف السلعة بناء على طلب العميل، ثم يبيعها له، بشرط إلغاء التعاقد بين المشتري والبائع إن وجد).
ج- تكييفه على أساس المضاربة؛ (بأن يقدم المصرف المبلغ للعميل على أساس المضاربة، والعميل يقوم بشراء السلعة).
العمولة على فتح الاعتماد:
يجوز للمصرف أن يأخذ أجرة على فتح الاعتماد، واحتسابها على أساس نسبة مئوية من قيمة الاعتماد، بالإضافة إلى 40 دينار مصاريف السويفت – كما جاء في السؤال – لأن ذلك كله أجرة على خدمة يجوز أخذ الأجرة عليها، لكن لا تجوز زيادتها بزيادة المدة، فلا حق للمصرف في أخذ أجرة مقابل تمديد مدة الاعتماد؛ لأن الخدمة التي يستحق المصرف الأجرة عليها ليس لها علاقة بالتمديد، وإنما يستحق الأجرة على فحص المستندات، وسداد القيمة، أما التمديد فليس فيه خدمة في ذاته تستحق أجرة.
جاء في المعيار الشرعي (14) لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المتعلق بالاعتمادات المستندية، ما نصه: ((3/3/1 يجوز للمؤسسة أن تأخذ قيمة التكاليف الفعلية على الاعتمادات المستندية، ويجوز لها أن تأخذ أجرة على القيام بالخدمات المطلوبة، سواء أكانت مبلغا مقطوعا، أم نسبة من مبلغ الاعتماد، ويشمل تعديل الاعتمادات، ما عدا التعديل بزيادة مدة الاعتماد، فلا يجوز لها أن تأخذ عليه إلا المصروفات الفعلية فقط، وتكون حينئذ مبلغا مقطوعا، لا نسبة مئوية)).
ومصاريف السويفت خدمة لا مانع من إضافتها.
وضريبة الدمغة ليست للمصرف، وإنما هي لمصلحة الضرائب، والحكم فيها كالحكم في سائر الضرائب.
أما العمولة عند فتح الاعتماد بتغطية جزئية (25%)، فلا يجوز للمصرف أن يزيد في النسبة المئوية للأجرة المفروضة على الاعتماد المستندي بسبب عدم التغطية الكلية، وإذا حصل ذلك، فَإِنَّهُ يعني أنَّ المصرف قد احتسب أجرة على الكفالة، وهو من الربا المحرم شرعًا.
والواجب على المصرف أن يحتسب أجرة فتح الاعتماد؛ إما بمبلغ مقطوع، بغض النظر عن قيمة الاعتماد وقيمة التغطية ومدتها، أو بنسبة مئوية من قيمة الاعتماد، بغض النظر عن قيمة غير المغطى وعن مدة الاعتماد.
وإذا تأخر العميل (فاتح الاعتماد) في سداد المبلغ المستحق، يلتزم المصرف بسداد المبلغ من ماله، ولا يجوز له أن يفرض غرامة أو فائدة، أو أن يضيف أي قيمة على عمولة الاعتماد تحت أي مسمى كانت.
جاء في المعيار الشرعي (14) المشار إليه، ما نصه: وعلى المؤسسة أن تراعي ما يأتي:
(أ) ألَّا يؤخذ في الاعتبار جانب الضمان عند تقدير الأجرة في الاعتمادات المستندية، وعليه؛ فلا يجوز للمؤسسة أن تأخذ زيادة على المصروفات الفعلية، في حال تعزيزها لاعتماد صادر من مصرف آخر؛ لأن تعزيز الاعتماد تكون الزيادة فيه مقابل ضمان محض، وفي حكم التعزيز المشاركةُ في الإصدار، والمشاركةُ في التعزيز، وإصدار الاعتماد المعدّ للاستخدام (اعتماد الضمان)، ما لم يتطلب ذلك خدمات أو تكاليف.
احتساب سعر الصرف:
فيما يتعلق بطريقة احتساب سعر الصرف للدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية، في حالة الاعتماد المغطى جزئيا (25%)، والمغطى بالكامل (100%):
فإنه في حالة الاعتماد المغطى بالكامل يكون المصرف بالخيار بين أحد أمرين:
الأول: أن يصرف القيمة المودعة في حساب العميل من الدينار الليبي إلى العملة الأجنبية المتفق عليها في الاعتماد، ويودعها في حساب الاعتمادات بالمصرف باسم العميل بالعملة الاجنبية، وبهذا يكون المصرف قد استلم قيمة البضاعة بالعملة الأجنبية، وليس له حق في مطالبة العميل فاتح الاعتماد بأي قيمة زائدة، في حال ارتفاع سعر الصرف، أو ما يسمى بـ(عمولة فارق العمولة).
الثاني: أن يُبقِي القيمة في حساب الاعتمادات باسم العميل بالعملة المحلية، إلى حين وصول المستندات، وحينئذ يكون المصرف ملزما بتسوية القيمة مع العميل فاتح الاعتماد، على أساس سعر الصرف يوم وصول المستندات، على أن يتم إشعار العميل بسعر الصرف الذي تحدد ذلك اليوم، قبل القيام بالمصارفة، خروجًا من التعاقد على الصرف بسعر مجهول، يحدد فيما بعد، بناءً على تقلبات أسعار السوق، ثم إن وجدت القيمة ناقصة استوفاها من العميل، دون تأخير، وإن كانت زائدة ردّ الباقي لحساب العميل.
أمَّا في حالة الاعتماد المغطى جزئيا، فالقدر المغطى منه تتم المصارفة فيه على أحد الوجهين السابقين، والقدر غير المغطى، يستوفي المصرف قيمته عند وصول المستندات، بسعر صرف يوم وصول المستندات، مع ملاحظة إشعار العميل بسعر الصرف قبل القيام به، وتسديد القيمة وقت المصارفة؛ لئلا يودي إلى الصرف المؤخر، أو التعاقد على المصارفة بسعر يجهله الطرفان، يتقرر فيما بعد، فذلك من الجهالة التي تفسد العقود.
عمولة المستندات برسم التحصيل:
أمَّا بالنسبة لعمولة المستندات برسم التحصيل، فهي عمولة جائزة، وتكييفها الشرعي أنها وكالة من العميل للمصرف باستلام المستندات، والقيام بعملية السداد، سواء كانت العمولة مبلغا مقطوعا، أو نسبة مئوية من قيمة المستندات.
كما له أن يضيف إلى ذلك تكلفة البريد والسويفت.
وما يؤخذ مقابل إصدار الإقرار الجمركي، فهو من الضرائب الخدمية، ولا حرج فيه.
الحوالة بالعملة الأجنبية:
وفيما يتعلق بالحوالة، فهي تشتمل على عمليتين؛ الأولى (صرف العملة المحلية إلى العملة الأجنبية المطلوبة، أو العكس، وهي جائزة؛ بشرط إعلام العميل بسعر الصرف).
والثانية: (الحوالة المصرفية بنقل العملة إلى الجهة المطلوبة، وعلى المصرف أيضًا إعلام العميل بأجرته، سواء كانت مبلغًا مقطوعًا، أو نسبةً مئوية، أو بنظام الشرائح، كما هو وارد في السؤال).
فإذا تمت العملية بهذه الصورة، فلا حرج في ذلك، وأخذ الأجرة عليها جائز، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
غيث بن محمود الفاخري
نادر السنوسي العمراني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
6/ذو الحجة/1435هـ
2014/9/30م