ما حكم المتاجرة في البنزين والنافطة؟ وما حكم أجرة توصيلهما؟
المتاجرة في السلع المدعومة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4272)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم المتاجرة بالوقود (نافطة، وبنزين)، خصوصًا أن (النافطة) غير متوفرة، فأقوم بتوفيرها للناس؟ وما حكم صاحب الشاحنة (البوطي)، الذي يقوم بتوصيل الوقود الذي يباع في السوق السوداء إلى المنازل؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..
أما بعد:
فإن الأصل أن اللوائح والقوانين المعمول بها في الدولة، تمنع الاتجار في السلع المدعومة من الميزانية العامة – ومنها الوقود ومشتقاته – لما يترتب عليه من الضرر العام باقتصاد الدولة، فلا يجوز الاتجار فيها؛ لما فيه من خيانة للأمانة التي أسندت للمسؤولين، وإهدار للمال العام، فهم بتسلطهم على السلع المدعومة يأخذون الأموال من جيوب الفقراء، وقد جعل عمر رضي الله عنه التعدي على المال العام بمنزلة أكل مال اليتيم، لكن مع نقص الوقود في المحطات بسبب تهريبه، وبيع القائمين على محطات الوقود لمن يتجرون فيه، وعدم التمكن من إيصاله إلى بعض المناطق؛ لتردي الوضع الأمني، كما هو الحالُ في الجنوب، ومع زيادة حاجة الناس إلى الوقود بسبب انقطاع الكهرباء لفترات طويلة؛ صارت حاجة الناس للوقود كحاجتهم إلى الماء والغذاء؛ لكون الكهرباء وسيلة لحفظ الغذاء وإيصال الماء؛ ولذلك فإنه يجوز لمن احتاج إلى الوقود ولم يمكنه تحصيله من المحطات، اشتراؤه من هؤلاء التجارِ المفسدين، ويكون الإثم على البائع المتعدي، ولا يأثم المشتري؛ لاضطراره، مع مراعاة أن يقتصر في ذلك على حاجته، إذ إن مِن القواعد المقررة عند العلماء؛ أنّ الحرام إذا عمّ ولم يصل الإنسان إلى حاجته إلا عن طريقه، فله أن يأخذ منه بقدر حاجته التي لا بدّ له منها، ولا يتوسع في شهواته وكمالياته، وينبغي للجهات المختصة في الدولة – كالداخلية – أن تمنع أصحاب المحطات من بيع الوقود لمن يتجر فيه، ومِن بيع كميات كبيرة من الوقود لشخص واحد، تزيد عن حاجته، وأن تكون هذه الجهات في مراقبة دائمة لذلك، بإجراءات صارمة ذات عقوبات رادعة؛ منعًا للفساد، ومن وُجد يتاجر في الوقود متاجرة محرمة على نحو ما تقدم، أو اشترى منه كميات كبيرة يضيّق بشرائها على الناس، فإنه يؤخذ منه بلا ثمن عقوبةً له، ويباع للناس بالسعر المحدّد من الدولة؛ لأن الذين يقومون بتهريب الوقود لصوص وعصابات مسلّحة، عملهم عمل قطاع الطرق، لا يتورعون عن قتل من يقف في وجههم أو يحاول أن يمنعهم، فأمثال هؤلاء إذا كانوا لا يرتدعون إلا بمصادرة ما لديهم، فيجوز أن يصادر منهم مِن باب العقوبات التعزيرية، قال ابن تيمية رحمه الله: ” فَالْعُقُوبَاتُ الْمَالِيَّةُ، مِنْهَا مَا هُوَ مِن بَابِ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَهْيَ تَنْقَسِمُ كَالْبَدَنِيَّةِ إِلَى إِتْلَافِ، وَإِلَى تَغْيِيرِ، وَإِلَى تَمْلِيكِ الْغَيْرِ، ثُم قَالَ: وَأَمَّا التَّغْرِيمُ فَمِثْلُ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِن أَهْلِ السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَن سَرَقَ مِنَ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ أَن يُؤْوِيَه إِلَى الْجَرِينِ، أَنَّ عَلَيْهِ جَلَدَاتِ نَكَالٍ، وَغَرِمَه مَرَّتَيْنِ، وَفِيمَن سَرَقَ مِنَ الْمَاشِيَةِ قَبْلَ أَن تَأْوِي إِلَى الْمَرَاحِ، أَنَّ عَلَيْهِ جَلَدَاتِ نَكَالٍ وَغَرِمَهُ مَرَّتَيْن، وَكَذَلِكَ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الضَّالَةِ الْمَكْتُومَةِ أَنَّهُ يُضَعَّفُ غُرْمُهَا، وَبِذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِثْل أَحْمَد وَغَيْرِهِ، وَأَضْعَفَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ الْغُرْمَ فِي نَاقَةِ أَعْرَابِي أَخَذَهَا مَمَالِيكُ جِيَاع، فَأَضْعَفَ الْغُرْمَ عَلَى سَيِّدِهِم وَدَرَأَ عَنْهُمُ الْقَطْعَ، وَأَضْعَفَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي الْمُسْلِمِ إِذَا قَتَلَ الذِّمِّيَّ عَمْداً أَنَّهُ يُضَعَّفُ عَلَيْهِ الدِّيَة؛ لِأَنَّ دِيَةَ الذِّمِّي نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل” [الحسبة: 53]، وإذا استأجر المضطر من يجلب له الوقود من هذه العصابات، فعلى صاحب السيارة المستأجرة ألا يزيد في الأجرة على المضطر ولا يتجاوز بها قدر أجرة المثل؛ لأن الزيادة في الأجرة على هذا النحو من استغلال حاجة المضطر، وهو لا يجوز، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15//ربيع الأول//1442هـ
01//11//2020م