بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4275)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
كان والدنا رحمه الله يملك مبنًى به ثلاث شققٍ، يسكنُ ابنه الأكبر المتزوج في إحداها، ويسكن الأصغرُ الأعزبُ في أخرى، وأما الشقة الأخيرة فكان يسكنها والدنا مع زوجته، وكان له أيضًا بيت قديم تسكنُهُ ابنته الأرملة، وله أيضًا محلان مؤجران، وقطعةُ أرض.
تنازل في السابق لأحدِ أبنائه عند محرر عقود عن إحدى الشقق؛ ليتمكن ابنه من الحصول على قرض، وفي سنة 2016م تنازل عند محرر عقود عن محلٍّ لابنه الذي تنازل له سابقًا عن شقة، وتنازل لابنه الآخر عن الشقة التي يسكنها الابن ومحلّ، وتنازل عن الشقة التي كان يسكنها مع زوجته لها، وتنازل عن البيت القديم لبناته السبع، وتنازل عن قطعة الأرض للجميع، وسلم التنازل عن شقته لزوجته، وأودع بقية المستندات عند أحد أصحابه، وبعد وفاته رحمه الله سنة 2020م أعلمَنَا صاحبُه بالتنازلات، فهل ما قام به والدنا من تنازلات صحيح لازم، أو غير صحيح؛ فيلزم منه إعادة تقسيم التركة قسمة ميراث؟ علما بأن الورثة كلهم مقرُّون بما ورد في السؤال من تفاصيل.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن تنازل والدكم رحمه الله لأحد أبنائه عن شقة قبل مرضه لا يُعد تمليكًا؛ لأن الغرض من التنازلِ هو الرهنُ للمصرف، فهو إعارةٌ لأجل الرهنِ، قال ابن عظوم القيرواني: “وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ قَبُولُ قَوْلِ الْمُتَبَرِّعِ فَيمَا قَصَدَ بِتَبَرُّعِهِ” [الأجوبة: 6/211]، فإقرار الابن بأن الأب قصد بتنازله رهنه في القرض ينافي قصدَ التبرع، وهو معتبر، قال مالك: “قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أُعْطُوا” [الموطأ: 4/1095]، والابن إنما أعطي ليرهن، لا ليتملك ويختصّ به، إلا أن ينضم للتنازل فعلٌ أو قرينةٌ تدل على قصدِ الأب تمليكَ ابنه العقارَ المذكور.
وأما تنازله لزوجته عن شقته فهو غير صحيح؛ لسكناه معها فيه إلى أن ماتَ؛ ولا تتأتى لها حيازةٌ بذلك، قال الدردير رحمه الله: “(وَ) صَحَّتْ (هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا) (لَا الْعَكْسُ) وَهُوَ هِبَةُ الزَّوْجِ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ” [الشرح الكبير: 4/106].
وتنازله لبقية الأولاد الذكور والإناث غير صحيح أيضًا؛ لعدم علمهم بالهبة إلا بعد وفاته؛ فوضعهم اليد على ما تحت أيديهم كان لمجرد الانتفاع والإرفاق بالسكنى، وهو لا يفيد الحوزَ للتملك، كمن وهب لمودَعه ولم يقبل المودَع ويعلم بها إلا بعد وفاة الواهب، فلا يعتد بقبضه؛ لأنه كان فيه أمينًا، قال الدردير رحمه الله: “(أَوْ وَهَبَ) الْوَاهِبُ وَدِيعَةً (لِمُودَعِ) بِالْفَتْحِ (وَلَمْ يَقْبَلْ) أَيْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ قَبُولٌ (لِمَوْتِهِ) أَيْ الْوَاهِبِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَهُ أَنَّهُ قَبِلَ وَنَازَعَهُ الْوَارِثُ فَتَبْطُلُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ حَوْزُهُ السَّابِقُ لِكَوْنِهِ كَانَ فِيهِ أَمِينًا فَيَدُهُ كَيَدِ صَاحِبِهَا فِيهِ فَكَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَ رَبِّهَا لِمَوْتِهِ” [الشرح الكبير: 4/103].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فتنازلات والدكم رحمه الله غير صحيحةٍ ولا لازمة، وبذلك يلزمُكم تقسيمُ تركته كلها -مِن شققٍ، ومحلَّين، وبيتٍ قديم، وقطعةِ أرضٍ، وغيره-قسمةَ ميراثٍ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
16//ربيع الأول//1442هـ
03//11//2020م