بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4282)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
فُقد 164 شخصا في تاورغاء سنة 2012م، وحَكَمَ القضاء العسكري بوفاتهم يوم 24/12/2018م، فكيف يتم التصرف في أموالهم، قبل الحكم بوفاتهم وبعدها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالمفقود في بلاد المسلمين لا يخلو من حالين: أن يكون فقده في المعركة أو غيرها، فالذي حضر المعركة، وفقد من حينها فحكم تركته أن تقسم بمجرد انتهاء المعركة لفقدان الأمل في بقائه حيا، قال بهرام رحمه الله: “وَاعْتَدَّتْ زَوْجَةُ مَفْقُودِ مُعْتَرَكِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا انفَصَلَ الصَّفَّانِ وَوُرِثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ” [الشامل: 1/182]، أما إذا لم يشارك في القتال أو فُقد في بلاد المسلمين من غير حرب، فماله يبقى موقوفًا مدة التعمير، وهي سبعون سنة على المشهور، قال ابن رشد رحمه الله: “وَأَمَّا مَالُهُ، [أَيِ: الْمَفْقُودُ] فَمَوْقُوفٌ، لاَ يُورَثُ عَنْهُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ، أَوْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّمَانِ مَا لاَ يَحْيَا إِلَى مِثْلِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ ذلك، فروي عن ابن القاسم سبعون سنة، وقاله مالك، وإليه ذهب عبد الوهاب، واحتج له بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ)؛ إذ لا معنى لقوله إلا الإخبار بما يتعلق به الحكم..” [المقدمات الممهدات: 1/532].
والواجب على القضاة النظر في أحوال المفقودين، وتعيين من ينظر في أموالهم، ويحفظها من الضياع، وينفق منها على زوجاتهم، وأولادهم القُصَّر، وبناتهم، قال أبو سعيد البراذعي رحمه الله: “وَيَنظُرُ الإِمَامُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ، وَيَجْمَعُهُ وَيُوقِفُهُ، كَاَن بِيَدِ وَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُوَكِّلُ بِهِ مَن يَرْضَاهُ، وَإِن كَاَن فِي وَرَثَتِهِ مَن يَرَاهُ لِذَلِكَ أَهْلاً أَقَامَهُ لَهُ، وَيَنظُرُ فِي وَدَائِعِهِ وَقِرَاضِهِ، وَيَقْبِضُ دُيُونَهُ، وَلاَ يَبْرَأُ مَن دَفَع مِن غُرَمَائِهِ إِلَى وَرَثَتِهِ، لِأَنَّ وَرَثَتَهُ لَمْ يَرِثُوهُ بَعْدُ” [التهذيب: 2/432]، وفي المدونة سئل مالك رحمه الله عن نفقة الزوجة والأولاد مدة التلوم وقبل الحكم بالوفاة، فأجاب: “يُنفَقُ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ الْأَرْبَعَ سِنِينَ…، وَلاَ ينُفَقُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِن وَفَاةٍ ،… وَيُنفَقُ عَلَى أَوْلاَدِهِ الْقُصَّرِ، حَتَّى الْبُلُوغِ، وَبَنَاتِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُم مَالٌ، فَيُنفِقُوا مِنْهُ عَلَى أَنفُسِهِمْ” [المدونة الكبرى: 3/31].
عليه، فلا يورث مال المفقودين المحكوم بموتهم إذا كان فقدهم في غير المعركة أو في بلاد المسلمين من غير حرب، حتى يبلغوا مدة التعمير، وينفق من مالهم على زوجاتهم قبل الحكم بوفاتهم ولا ينفق بعده، كما ينفق من مالهم على أولادهم القصر حتى يبلغوا، وعلى بناتهم حتى يتزوجوا، ما لم يكن لهم مال يسد حاجتهم، أما إذا كان فقدهم في المعركة بين المسلمين فيورث مالهم بعد انفصال الصفين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد العالي امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25//ربيع الأول//1442هـ
11//11//2020م