استغلال بعض الورثة جزءا من التركة دون الآخرين
منع بعض الورثة من الانتفاع من التركة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4313)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي والدي منذ خمس سنوات عن ولدين، وسبع بنات، ومما تركه منزلٌ، شغله بعد وفاة الوالد أحد الإخوة مع أسرته، فلم يتمكن باقي الورثة من الانتفاع به، علما بأن إحدى الأخوات مطلقة، ولا مسكن لها، وأخرى غير متزوجة متضررةٌ أيضا، فما حكم مطالبة الأخ بالإيجار إلى حين بيعه؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن استغلال بعض الورثة للتركة بالسكنى ونحوها، ومنع الآخرين من قسمتها والانتفاع بها تعدٍّ وظلم، وأكل لأموالِ الناسِ بغير حقّ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) [النساء: 29]، ويترتب على هذا أنه يجب على المتعدّي دفع إيجار ما استغله طيلة المدة الماضية لباقي الورثة، بما ينوبهم بسعر السوق في كل وقت بحسبه، بشرط أن تكون العقارات مستغلة من قبل المتعدّي في تلك المدة، وليست معطلة، ويعامل الورثة هنا معاملة الشّريك، الذي لا يجوز له أن ينتفع من المال المشترك إلا بقدر حظّه، فإن انتفع بأكثر من حظّه فتلزمه أجرة المثل فيما زاد لبقيّة الشّركاء، قال الدّسوقي رحمه الله: “إِذَا كَانَتْ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ مَثَلاً، وَأَشْغَلَهَا أَحَدُهُمَا بِالسُّكْنَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ إنْ سَكَنَ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْهَا رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ اتِّبَاعِ شَرِيكِهِ لَهُ إلاَّ هَذَا الشَّرْطُ، وَهُوَ سُكْنَاهُ قَدْرَ حِصَّتِهِ” [حاشية الدسوقي: 3/466].
عليه؛ فإن كان الحال ما ذكر، فيلزم المنتفع بالبيت دفع قيمة إيجارِ ما زاد عن حظه، حسب سعر السوق في كل وقت بحسبه، ما دام المتضررُ من الورثة لم يسكتْ وطالبَ بنصيبه، ثم إن المتعين عليكم بيع البيت بما لا يقلّ عن سعرِ السّوق، ويُعطَى كلُّ وارثٍ نصيبَه مِن الثّمن حسب الفريضة الشرعية، ما دام أنه لا يقبل القسمة بين الورثة إلَّا بضرر يلحقهم، بحيث لا ينتفع كلٌّ بنصيبه بصورٍة صحيحةٍ، كأن يأخذ جزءًا يسيرًا لا يمكنه الانتفاع به؛ قال ابن القاسم رحمه الله: “كُلُّ مَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الدُّورِ وَالمَنَازِلِ وَالْأَرَضِين وَالحَمَّامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يَكُونُ فِي قِسْمَتِهِ الضَّرَرُ، وَلَا يَكُونُ فِيمَا يُقْسَمُ مُنْهُ مُنْتَفَعٌ، فَأَرَى أَنْ يُبَاعَ وَيُقْسَمَ ثَمَنُهُ عَلَى الفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ)، وَهَذَا ضَرَرٌ” [المدونة: 4/313]، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
23//ربيع الآخر//1442هـ
08//12//2020م