بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4321)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
يوجد لدينا مشروع زراعي تابع للدولة، به مجموعة دوائر زراعية، ونظرًا للظروف الأمنيةِ التي تمرّ بها البلاد، قام مجلس الحكماء بمنطقتنا بالمحافظةِ على هذا المشروع، واستخدامه للصالح العام، فنحن نقومُ بتأجير الدوائر الزراعيةِ للمواطنين بالطريقة الآتية: من يريد أن يتقدمَ للتسجيل يدفعُ ثلاثمائة دينار، وبعد انتهاء مدة التسجيل المحددة نقومُ بالقرعة، فمن جاءتِ القرعة من نصيبه نسلم له الدائرةَ لموسم واحدٍ، على أن يدفعَ لنا إيجارًا قدره خمسةَ عشر ألف دينار، جزء منها بالصكّ وجزء منها نقدًا، والمال الذي نتحصلُ عليه نظير الإيجارات نصرفهُ على الصالح العام، ولا نُرجع مبلغ الثلاثمائة دينار الذي اشترك به المتقدمون للقرعةِ، سواء منهم من حالفه النصيبُ، ومن لم تكن الدائرة من نصيبهِ، ولنا على هذه الحال قرابة السنتين، فما حكم المال المدفوع للاشتراك في القرعة؟ وهل يُرجع لأصحابه؟ وهل التصرف في المشروع للصالح العام جائزٌ، أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كانت المبالغ المأخوذة للاشتراك زائدة عن التكاليف الفعلية لإجراء القرعة بين المشاركينَ كثمن النماذج والأوراق والاتصالات ونحوها، فلا يجوز أخذُ الزائدِ؛ لأنه من أكل أموالِ الناس بالباطل، وفيه مخاطرةٌ ومقامرة، فكلّ مشترك يدفع مبلغًا من المال وهو لا يدري، هل يحصلُ على مقابل أم لا، واللهُ تعالى يقول: ﴿يـَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ﴾ [النساء: 29]، ويقول: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ [المائدة: 90]، فيجب إرجاع الزائد إلى المشاركين، ويستوي في ذلك مَن فاز في القرعة ومن لم يفزْ، أما إن كان المبلغ المأخوذُ مقابلا للتكاليف الفعلية فقط فأخذهُ جائزٌ، ويجوز عدم رده لمن لم يفزْ بالقرعة.
عليه؛ فينظر بين التكاليف الفعلية لإقامة القرعة ومجموع المبالغ المجموعة من المشاركين، فتؤخذ التكاليف الفعلية ويرد الزائد إلى المشاركين، أما التصرف في المشروع للصالح العام من قِبل مجلس الحكماء فجائزٌ، إنْ كان الحالُ كما ذكرتم، قال الونشريسي رحمه الله: “وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الدَّاودي … عَن بِلَادِ الْمَصَامِدَةِ، رُبَّمَا لَمْ يَكُنْ عِندَهُمْ سُلْطَانٌ… فَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ: وَكُلُّ بَلَدٍ لاَ سُلْطَانَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ سُلْطَانٌ يُضَيِّعُ الْحُدُودَ، أَوِ السُّلْطَانُ غَيْرُ عَدْلٍ، فَعُدُولُ الُمَوْضِعِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ، يَقُومُونَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَقَامَ السُّلْطَانِ. وَسُئِلَ أَيْضًا عَن بَلَدٍ لاَ قَاضِيَ فِيهِ، وَلاَ سُلْطَانَ، أَيَجُوزُ فِعْلُ عُدُولِهِ فِي بُيُوعِهِمْ، وَأَشْرِيَتِهِمْ، وَنِكَاحِهِمْ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْعُدُولَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْقَاضِي وَالْوَالِي، ِفي الْمَكَانِ الَّذِي لَا ِإمَامَ فِيهِ وَقَاضٍ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِي: أَحْكَامُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَمْتَدُّ إِلَيْهِمُ الْأُمُورُ عِندَ عَدَمِ السُّلْطَانِ، نَافِذٌ مِنْهَا كُلُّ مَا جَرَى عَلَى الصَّوَابِ السَّدَادِ، فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ فِيهِ حُكْمُ السُّلْطَانِ” [المعيار المعرب: 10/102-103]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//ربيع الآخر//1442هـ
13//12//2020م