بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4333)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
دخلت على زوجتي يوم عُرسي -ولم أكن رأيتها قبلُ- فإذا بها امرأة مسّها جني، فمنعتني من لمسها، وضربتني، وكادت أن تقتلني، وأن تُسقط نفسها من الشرفة، وكانت تتلفظ -أحيانا- بألفاظ غريبة غير مفهومة، بصوت كصوت الرجال، ثم تهدأ قليلا ويرجع صوتها لطبيعته، فقمت بمكالمة أهلها فحضروا، وأحضروا معهم شيخا فقرأ عليها القرآن، وقال إنها مريضة قد مسها جني منذ فترة طويلة، فرجع أهلها بها، وأهلها يعلمون بمرضها قبل الزواج، فرفضوا طلبي لرؤيتها الرؤية الشرعية، ومنعوا تواصلي معها هاتفيا قبل عقد القِران، بل ومنعوني من رؤيتها حتى بعد العقد، ثم صرح لي أهلها بأن كل المحاولات السابقة لزواجها باءتْ بالفشل بعد الخطبة، والرفض كان من ناحيتها، وأخبرني أخوها أنها كانت مجبرةً على الزواج بي، وأنه لاحظَ أن حالها غير طبيعي في الفترة التي سبقت العُرس، وأنا أريدُ فسخ العقد، فهل يحق لي المطالبة بما دفعته لها عند الخطبة، وبالصداق، وما أنفقته في العرس؟ علما بأني لم أطأها ولم ألتذ بها.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن المس الذي يذهب العقل ويؤدي للصرع هو من الجنون، الذي يوجب للزوج الخيار في الفسخ وعدمه، فإن اختار الزوج الفسخ قبل البناء فلا مهر للزوجة، ويَرجع به إن كان دفعه، وكذلك ما دفعه من الهدايا عند الخطبة، الملحقة بالصداق وغير الملحقة؛ لأنها أعطيت لغرض لم يتم، قال القاضي عبدالوهاب رحمه الله: “وَأَمَّا الْمُشْتَرَكَةُ فَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ، فَإِذَا وُجِدَ بِالزَّوْجِ فَالْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ، فَإِن اخْتَارَت الْفَسْخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِن وَجَدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فَهْوَ بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ دَخَلَ وَلَزِمَهُ الصَّدَاقُ كَامِلاً، وَإِن شَاءَ طَلَّقَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِن كَانَ دَفَعَهُ اسْتَرَدَّهُ” [التلقين: 1/118]، قال ابن بزيزة رحمه الله: “قوله: (وَأَمَّا الْمُشْتَرَكَةُ فَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ) وَالْأَمَرُ كَما ذَكَرَهُ، وَهَذِهِ الْعُيُوبُ مَانِعَةٌ مِن كَمَالِ لَذَّةِ الْوَطْءِ … فَالْجُنُونُ هُوَ ذَهَابُ الْعَقْلِ بِصَرَعٍ، أَوْ وَسْوَاسٍ، فَإِن كَانَ مُطْبِقًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، أَوْ هُوَ نَادِرٌ فِي أَوْقَاتٍ قَلِيلَةٍ، فَانظُرْ هَلْ يُعْتَبَرُ أَمْ لاَ؟ وَعُمُومُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَيْبٌ مِن غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَاعْتِبَارِ الأَغْلَبِ مِنْهُ دُونَ إِيقَاعِ النَّادِرِ… وَلاَ مَهْرَ لَهَا إِن اخْتَارَتْ أَو اخْتَارَ الْفَسْخَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ بُضْعَهَا بِيَدِهَا وَسِلْعَتَهَا مَعَهَا” [روضة المستبين في شرح كتاب التلقين: 1/763]، قال الأمير رحمه الله: “(وَإِن وَهَبَهُ الدَّيْنَ فَضَاعَ الرَّهْنُ حُسِبَ الدَّيْنُ مِنَ الْقِيمَةِ بَعْدَ حَلِفِهِ) أّنَّهُ مَا وَهَبَهُ لِيُغْرِمَهُ الْقِيمَةَ قَالَهُ أَشْهَبُ، شَيْخُنَا: وَذَلِكَ أَصْلٌ يُخَرَّجُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فُعِلَ لِغَرَضٍ فَلَمْ يَتِمَّ”، وقال محشِّيه الشيخ حجازي رحمه الله: “قَوْلُهُ: (أَصْلٌ) مُحَصَّلُهُ اعْتِبَارُ الْمَقَاصِدِ، وَالنِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ كَالْبِسَاطِ، فَالنَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ كَمَا فِي الْمُوَطَّأ فِي بَابِ الْعُمْرَى عَنِ الْقَاسِمِ بنِ مُحَمَّد انظُر سيدي محمد عَلَيْهِ، مِن ذَلِكَ: أَن تَهَبَ الْمَرْأَةُ لِحُسْنِ الْعِشْرَةِ، أَو الْأَبُ لِابْنِهِ لِيَبَرَّهُ فَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ” [حاشية حجازي: 3/248].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، وأردت فسخ النكاح، فلك المطالبة بما دفعته من الصداق، وهدايا الخطبة، وليس لك المطالبة بما أنفقت في العُرس على نفسك؛ لأنه مال لم يلزمك أهل الزوجة به، ولم ينتفعوا منه بشيء، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
12//جمادى الأولى//1442هـ
27//12//2020م