بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4363)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أعمل محاسبًا لدى شركة، وعند إغلاق السنة المالية لهذا العام حصل لي إشكال في تسوية حساب الربط الضريبي، وذلك كالآتي: قامت الشركة بعقود توريد بضاعة للدولة الليبية باسمها الاعتباري، مع شريك طبيعي من خارج الشركة (شراكة أموال)، ومعلوم أن العقود مع الدولة يترتب عليها مصاريف ضرائب عن الدخل، وتطالب الشركة بدفعها عند القيام بالربط الضريبي، علمًا بأن الشركات تقوم بالربط الضريبي بعد عدة سنوات من تقديم القوائم المالية الخاصة بكل سنة، حسب العرف الضريبي، والمتوقع عادةً أن تأخذ الدولة ضريبة مقدرة بـ 07% من قيمة العقد، لكن قد تأخذ أقل، فتصبح الضريبة 01% مثلاً، فالذي حصل هو أنني قمت بتحميل مصاريف الضرائب المستحقة على الشريك الطبيعي لهذه العقود، وتم اعتبارها كدينٍ عليه، تطلبه الشركة حين تسوية الربط الضريبي، علمًا بأن الشركة استلمت قيمة بعض العقود، وقامت بإعطاء الشريك الطبيعي كامل مستحقاته، من غير خصم قيمة مصاريف الربط الضريبي المستحقة، فهل يجوز احتجاز قيمة من أرباح الشريك الطبيعي تعادل حصته من الضريبة، والإبقاء عليها ضمن حسابات الشركة، لحين تسوية المصاريف مع الضرائب؟ وهل تخصم قيمة هذه المصاريف المستحقة عند احتساب الزكاة؟ وهل تزكى الإيرادات المستحقة من الدولة الليبية كل سنة، أم لا؟ علمًا بأن القيمة المستحقة قد يتم تسديدها بعد سنوات من الاستحقاق.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالضرائب التي تؤخذ على الدخل كلها من قبيل ما لا يلزم شرعًا، ممّا يؤخذ بالقهر والجبر، لا تحلّ إلّا عند الضرورة، والشركاء معلوم لديهم بما استقرت عليه العادة والعرف، أنهم سيغرمون مثل هذه المكوس للدولة عند طلبها ذلك، وقد دخلوا في الشركة باختيارهم لا جبرًا، لذلك؛ يلزم تحميل مثل هذه الضرائب على رأس مال الشركاء، وإن كانت المستندات الرسمية ستضرب على مَن باسمه عقد التوريد؛ لأنه مدخول عليه من قبل الشركاء، قال الحسن بن رحال رحمه الله: “وَمِنْهُ أَيْضاً مَا يُدْفَعُ مِنَ الْمَغَارِمِ الْمُعْتَادَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْعَوَائِدِ كَانَ ابْنُ عَرَفَةَ يُلْزِمُهَا لِلْمُبْضِعِ وَالْمُقَارِضِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ مَدْخُولٌ عَلَيْهَا وَتُحْسَبُ مِن رَأْسِ الْمَالِ لاَ الرِّبْحِ، وَفِي نوَازِلِ الْغَصْبِ عَنِ الْقَابِسِي شَيْءٌ مِن هَذَا” [حاشية المعداني على شرح ميارة: 2/308]، وعليه؛ فينبغي الاتفاق عند المشاركة على حساب قيمة الضريبة على الدخل ضمن رأس المال، ويجعل ما ينوبها مودعًا في حساب خاص، ولا تستعمل الشركة هذا المال، إلا بموافقة الجميع؛ لأنه يعتبر كالرهن في غرم متوقع على مال الشركاء، ثم إن ظهر فضلٌ زائدٌ بعد تسوية الربط الضريبي؛ فإنه يقسم بين الشركاء على حصصهم.
أما حساب الزكاة في المال الذي يتوقع أن تفرض عليه غرامات في المستقبل، ولا يعلم مقاديرها؛ فالواجب أن يُزَكِّيَ صاحبه ما يملكه في رأس العام كاملاً، ويعتبر ما سيؤخذ منه من الضرائب ديوناً عليه، فيعامل معاملة الدَّيْنِ عَلَى التَّاجِرِ، إذا كان له من الأموال الأخرى غير التجارة ما يقابله فلا يسقط شيئا من مال الزكاة، قال الدردير رحمه الله: “(وَ) لَا فِي مَالِ (مَدِينٍ) إنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يَجْعَلُهُ فِيهِ” [الشرح الكبير: 1/459]، قال الدسوقي رحمه الله: “أَمَّا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يَجْعَلُهُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ كُتُبًا فَإِنَّهُ يُزَكِّي تِلْكَ الْعَيْنَ” [حاشية الدسوقي: 1/459].
أما الإيرادات المستحقة من الدولة فتزكّى كل سنة؛ لأنها ديون تجارة حَالَّةٌ على مَلِيءٍ، قال الدردير رحمه الله: “الدَّيْنُ الَّذِي لَا يُزَكَّى كُلَّ عَامٍ وَهُوَ دَيْنُ الْمُحْتَكِرِ مُطْلَقًا وَدَيْنُ الْمُدِيرِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ؛ وَأَمَّا دَيْنُ الْمُدِيرِ مِنْ بَيْعٍ وَهُوَ حَالٌّ مَرْجُوٌّ فَيُزَكَّى كَمَا تَقَدَّمَ كُلَّ عَامٍ” [الشرح الصغير: 1/668]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11//جمادى الآخرة//1442هـ
25//01//2021م