بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4395)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أوصى هـ، أن يصرفَ ثمن منزله الكائن بطرابلس حي الأندلس المعروض للبيع، إن بيع بعد وفاته، بأنْ يشترى بثمنه بيتٌ لائقٌ للورثةِ ذكورًا وإناثًا، ولابنه الصغير ص منزلٌ أرضيّ، ولابنتيهِ ف و خ شقةٌ لكل واحدةٍ منهما، ويدفع منه ما صرَفَ ابنُه ش على ترميمِ المنزلِ وإصلاحه، ويسدد منه أيضًا الدّينُ الذي على الموصي، فما حكم تنفيذِ هذهِ الوصيةِ كما ذكر؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإنّه لا يلزم الورثة بيع البيت الذي كان يملكه المورِّث إذا لم يُبَعْ في حياته، وإذا أرادوا بيعه فلا يلزمهم تنفيذ ما أوصى به من شراء الشقق لمن ذكر في الوصية؛ لأنَّ المال صار من حق جميع الورثة، يقتسمونه حسب الفريضة الشرعية، دون جبر عليهم بالكيفية التي يقبضونه عليها، إلّا إذا تراضوا على ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) [أبوداود: 2870]، وزادَ الدارقطني: (إِلّا أَن يَشَاءَ الْوَرَثَةُ) [سنن الدارقطني: 89]، وقال الإمام مالك رحمه الله: “السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عِندَنَا الَّتِي لاَ اخْتِلَافَ فِيهَا؛ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، إِلاَّ أَن يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ” [موطأ مالك: 503]، وعليه؛ فإن هذه الوصية تكون موقوفة على إجازة الورثة، فإن أجازها الورثة مضت، وكان ذلك ابتداء عطية منهم، وإلا فلكل وارث من ورثة الموصي نصيبه، الذي فرضه له ربهُ.
وأما الشقّ المتعلق بسدادِ الديون، فالدينُ مقدمٌ على الوصايا في الحقوقِ المترتبة على التركةِ، فالواجبُ المسارعةُ بقضائهِ عن المدين المتوفّى؛ لأنّ عنقه معلقةٌ به حتَّى يُقْضَى عَنْهُ، فيقضى من ثمن المنزل أو من غيره من أموال المتوفى، إنْ كان بيعُ المنزل سيتأخرُ؛ لقول الله عز وجل: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) [الترمذي: 1078].
أما المصاريف التي تكلّفَها بعضُ الورثةِ في ترميمِ المنزلِ وإصلاحِه، فَيُسْأَلُ الابنُ المعطِي عن وجهِ إعطائهِ هذه المصاريفَ، فإن كان متبرّعا بها في ذلك الوقت فلا حقّ له فيها؛ لأنها تكون وصيةً لوارثٍ لا نظير دينٍ، وإن ادّعى أنه أعطَى المال ليرجعَ به ويطالبَ به أباهُ، فيستحقّه؛ لأنه نظيرُ دينٍ، لا بمقتضى الوصية؛ لأنّ من دفع عن شخص مالًا، وكان من شأنه أن يدفعَ ذلك المال؛ كان له الحقّ في أخذه والمطالبة به، إن قالَ إنه دفع ذلك على سبيلِ المداينة، ولم ينوِ الدافع به التبرعَ عند إعطائه، قال القرافي رحمه الله: “قَاعِدَةٌ مَذْهَبِيَّةٌ: مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ مَالًا شَأْنُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، رَجَعَ بِذَلِكَ الْمَالِ وَبِأُجْرَةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ، نَقَلَهَا صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِر فِي الْإِجَارَة، تَنْزِيلًا لِلِسَانِ الْحَالِ مَنْزِلَةَ لِسَانِ الْمَقَالِ” [الذخيرة: 9/93]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي امحمد الجمل
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03//رجب//1442هـ
15//02//2021م