بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4434)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
مرض زوجي وسافر للعلاج مباشرة، وكان ذلك قبل وفاته بسنة، وكتب في سفره وثيقة هبة -قبل سنة من وفاته أول وصوله لبلد العلاج- لم يعلم بها أحد من الأبناء، جعل فيها الطابق الأرضي لي وللبنات، لا يباع إلا بموافقة الجميع لظروف بعض الورثة، والطابق الثاني من البيت للابن، وكان يسكنه وحده من مدة، ووهب لابنه منزلًا صغيرًا، كما جاء في الوثيقة المذكورة، وهناك قطعةُ أرض اشتراها الأب قديمًا باسم ابنه نفسِهِ، وبنى الابن فيه حائطًا، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهبة المريض مرضًا مخوفًا إذا طال ما بين عقد الهبة وموت الواهب نافذةٌ، بشرط حيازة الموهوب له في حياة الواهب، قال التسولي رحمه الله: “وَمَا تقدم عَن الرجراجي، نَحوه قَول ابْن لب فِي فتواه: إِذا كَانَ الْوَاهِب مُلْتَزما للْفِرَاش واتصل حَاله كَذَلِك إِلَى أَن توفّي بعد ذَلِك بِالْأَشْهرِ الْيَسِيرَة فهبته لوَرثَته بَاطِلَة، فمفهوم قَوْله: بِالْأَشْهرِ الْيَسِيرَة، أَنه إن مَاتَ بعد طول فالهبة صَحِيحَة بشرط الْحَوْز، وَالْمَرَض الملزم للْفراش هُوَ الْمخوف؛ لِأَنَّهُ لَا يتَصَرَّف مَعَه”[البهجة: 2/395]، فإذا تمت الحيازة للموهوب له، بتصرفه فيها تصرف المالك في مِلكه، قبل وفاة الواهب؛ فقد لزمت الهبة وصحّت، لكن بشرط أن يكون تصرفه فيها بعد علمه بالهبة، قال الدسوقي رحمه الله: “وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِيمَنْ وَهَبَ شَيْئًا لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ عَارِيَّةً، أَوْ وَدِيعَةً، أَوْ دَيْنًا عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبِلَ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ صَحَّتْ الْهِبَةُ بِاتِّفَاقٍ… وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ بَطَلَتْ اتِّفَاقًا”]حاشية الدسوقي: 4/103[، فإذا لم تُحز الهبة وبقيت تحت تصرف الأب، أو مهملة إلى أن ماتَ الواهب، أو لم يعلم الموهوب له بها ولو كانت في حوزه تحت يده؛ فترجع ميراثًا، يقسمُ على الورثة حسبَ الفريضة الشرعية.
وأما الأرض التي قام الأب بشرائها باسم ابنه ابتداء، فهي من قبيل هبة الثمن لا المثمن، ولا تحتاج لحوز؛ لأن الشراء حوز، قال التسولي رحمه الله: “وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى دَاراً مَثَلاً وَأَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِابْنِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الاِبْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَيْضاً، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لَهُ بِمَالٍ وَهَبَهُ إِيَّاهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَن يَحُوزَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ كَانَ مِلْكاً للِابْنِ فَلَمْ يَتَقَرَّرْ لِلْأَبِ عَلَيْهِ مِلْكٌ حَتَّى يحَتَاجَ لِلْحَوْزِ، وَالثّمَنُ قَدْ حِيزَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، قَالَه فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود وَغَيره. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الصَّغِير فَأَحْرَى الرَّشِيد كَمَا يَدُل لَهُ التَّعْلِيلُ” [البهجة شرح التحفة: 2/401].
عليه؛ فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، فإن الأرض المشتراة للابن؛ لا تدخل في التركة، ويختص بها؛ لتحقق الحوز بمجرد الاشتراء، وأما باقي ما ذكر في عقد الهبة، مما لم يعلم به إلا بعد وفاة الواهب؛ فالهبة فيه باطلة، وللورثة أن يصطلحوا على إنفاذه إن رضوا بذلك جميعا، ومَن تنازل منهم عن شيء -إذا تصالحوا- فهو ابتداء عطية منه، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15//شعبان//1442هـ
29//03//2021م