قسمة تعويض عن عقار مستولى عليه من الدولة
قسمة وحق انتفاع وبيع مغصوب
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4477)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
يوجد عقار يشتمل على محلين في الدور الأرضي، وثلاثة طوابق فوقه، في كل طابق شقتان، يشترك في هذا العقار أربعة إخوة مع أبيهم، توفي الأب وثلاثة من الإخوة، وبقي أحدهم، والذي حصل أن الدولة استولت على العقار المذكور، ما عدَا أحد المحلين، بقانون رقم 4/78، وسلمت الشقق لسكان أجانب عن الملاك الأصليين، وتم تعويض الملاك في الشقق، فاتفق أن أخذ الأب وثلاثة من الإخوة الدفعات الأولى مقابل حصصهم، بعلم أخيهم الرابع وموافقته، ثم توقفت الدولة عن الدفع، ولم يتحصل هذا الأخ على حصته من التعويض – حسب قول ورثته – وخالفهم أخوه وبعض ورثة بقية الإخوة، مدّعين أنّه أخذ سهمًا مِن حصتهِ، والذي فاته هو سهم واحدٌ، وأنّ التعويض لم يكن باسمِ الجميع، بل كان لكلّ شريك تعويضه الخاص، فهل لورثته المطالبة بنصيب والدهم ممنْ أخذ الدفعات الأولى، سواء قلنا إنه لم يأخذ شيئًا أو أخذ سهمًا واحدًا مِن حصته فقط، أم يطالبون الدولةَ بها؟ ثم إنه لطولِ العهدِ وموت من ذكرنا، حصلَ تباينٌ في الأقوال – بين الورثة أنفسهم وأحد الإخوة الشركاء – حول المحل الثاني الذي بقي، على النحو التالي:
1- بعض الورثة يقول: الدولة قامت بالتعويض عن المحل مع الشقق، مستندًا على أن:
أ- الدولة قد طالبت بدفع الإيجار المستحق كما هو مبين في أحد المستندات؛ وأغلقت المحل بالشمع.
ب- هذا المحل محل تجاري وليس حرفيا، حتى يستثنى من التأميم كما استثني المحل الآخر، ثم استلمت الدولة باقي العمارة، وسلمت الشقق للسكان، وسلمت المحل للشركة العامة للمنسوجات، لكون التجارة كانت محظورة، إلى أن رفعت الدولة الحظر، فاستُرد المحل من قبل الإخوة بعقد انتفاع، وسجل العقد باسم أحدهم.
ت- أبناء الأخ الذي لم يستلم التعويض، يقولونَ إن والدهم كان راضيًا عن بيع حصته للدولة، وكان يرى أن التعويض في الشقق والمحل مجزٍ ومُرضٍ له، وهو لم يتحصل عليه نتيجةً لما ذكر سابقًا.
2- الفريق الثاني من الورثة وأحد الإخوة الشركاء يقولون: الدولة عوضت عَن الشقق فقط، أما المحل التجاري فلم تعوض عنه، مستندين على أنّ:
أ- الدولة أقرت بعدم وجود ملف تعويض باسم المحلّ وشاغله، وهو أحد الشركاء، كما هو مبين بأحد المستندات المرفقة، وهي وثيقة مفسرة ومتأخرة عن كل المستندات بالخصوصِ حسبَ قولهم.
ب- التعويض الذي أعطي كان بخسًا ولم يكن مجزيًا بالنسبة للشقق، ولم يُردِ الأحياءُ من الورثة الآن ولا الأموات بيعَ العقار، وإنما سعوا وراء التعويض مِن قلة الحيلة، وعندما لم يجدوا مخرجًا لاستنقاذ ملكِهم، لذلك عندما وجدُوا فرصة للمحافظة على محلهم أبقوه تحتَ أيديهم لعلهم يستردونه يوما ما، فنحن نريد السعي وراء ملكية المحل، خصوصا وأنه باق تحت أيدي الشركاء، والمطالبة بتعويض مقبول في الشقق ابتعادا عن الخوض في مشاكل مع السكان.
ت- عدم دفع آبائنا للإيجار إلا فترة بسيطة دليل على عدم التعويضِ، وعدم التسليم منهم بملكية الدولة للمحل، خصوصًا وأن آباءنا مشهودٌ لهم بالديانة والتحري والورع عن الحرام، فكيف يتهربون عن دفع دينٍ في رقبتهم.
ث- إمكانية تصحيح الوضع القائم بسبب ظلم الدولةِ، واستيلائها على أملاك الناس، إبان الحكم السابق، بعد صدور قانون رقم 20/2015، واللائحة التنفيذية الخاصة به بالقرار 817 لسنة 2020م، خصوصًا أنه لا طرف ثالث في المحل، بل الأمر بيننا وبين الدولة مباشرة.
فهل يجوز بيع المحل بوضعه الحالي، قبلَ إغلاق ملفه في الدولةِ واسترجاعه بشكل نهائيّ لا لبسَ فيه؟ فإن كان لا يجوز فلمن حق الانتفاع به في فترة تسوية الموضوع مع الدولة؟ وهل يدفع من انتفع به فعليا جزئيا أو كليا طيلة الفترة الماضية والحالية وفي المستقبل أجرة للملاك الأصليين، أم يكون الدفع للدولة وتبرأُ به الذمة، ويطالب الملاك الدولة كونها هي الغاصبة، إنْ أرادوا؟ وهل لمن سيسعى في التسوية مع الدولة المطالبة بنسبة من المال على ذلك؟ وفي حال طالبت الدولة بتسوية الإيجارات السابقة، فهل يدفعها الملاك، أم من انتفع بالمبنى؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكر، من أن الابن الذي لم يقبض كل التعويض أو بعضه، كان راضيًا بأن يأخذ أبوه وإخوته الدفعات الأولى من التعويض، متفقًا معهم على ذلك، فليس لورثة الابن مطالبة أخيه الحي وورثة إخوته المتوفين وورثة والده، بمشاركتهم في التعويض الذي استلموه؛ لأن الحق إذا كان بين شركاء فسلم فيه أحدهم لشريكه على أن ينتظر بحقه، فليس له بعد ذلك الدخول مع شريكه فيما استلمه، سواء أعطي التعويض باسم الجميع أو لكل شريك باسمه؛ لأن ملكهم باق على الشيوع ولم تحصل مقاسمة، قال اللخمي رحمه الله: “وَإِن كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى َرجُلٍ دَيْنٌ فَاقْتَضَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، كَاَن فِي اقْتِضَائِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: فَإِمَّا أَن يَقْتَضِيَ حَقَّهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَقَدْ لَدَّ عَلَيْهِ فِي الاقْتِضَاءِ فَأَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ، أَوْ كَانَ إِذْنُ السُّلْطَانُ لَهُ وَالشَّرِيكُ غَائِبٌ، أَوْ لَمْ يَرْفَعْ إِلَى السُّلْطَانِ وَأَعْلَمَ شَرِيكَهُ، أَو اقْتَضَى بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَلاَ إِذْنِ السُّلْطَانِ، فَإِن اقْتَضَى بِإِذْنِ الشَّرِيكِ أَوْ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لِغَيْبَةِ الشَّرِيكِ أَوْ لَدَدَهِ، لَمْ يَكُن لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ رُجُوعٌ، وَسَوَاءٌ بَقِي الْغَرِيمُ عَلَى الْيُسْرِ أَو افْتَقَرَ أَوْ غَابَ أَو مَاتَ” [التبصرة: 10/4681]، ولا فرق بين كون المدين حاضرًا أو غائبًا إذا حصلَ الإذن، قال الدسوقي رحمه الله: “(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشْخَصَ إلَخْ) الْحَقُّ كَمَا قَالَ علي الأجهوري إنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِعْذَارِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَفَرٌ بِأَنْ كَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا بِبَلَدِهِمَا اهـ عَدَوِيٌّ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ فَصَّلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِالْغَائِبِ وَسَكَتَ عَنْ الْحَاضِرِ وَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِعْذَارِ اهـ بناني… فَالْخِلَافُ فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا وَأَعْذَرَ فِي الْخُرُوجِ فَلَا يَدْخُلُ مَعَهُ عَلَى كَلَامِ علي الأجهوري وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَدْخُلُ مَعَهُ عَلَى مَا قَالَهُ التتائي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ” [حاشية الدسوقي: 3/322].
ولا يجوز بيع المحل قبل استرجاع ملكيته من الدولة بصورةٍ لا لبسَ فيها؛ لما فيه من الغرر، وبيع ما فيه خصومة، قال عليش رحمه الله: “(وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ (مَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ غَاصِبِهِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَا تَمْضِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ أَقَرَّ بِهِ أَمْ لَا اتِّفَاقًا، أَوْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَأَنْكَرَ الْغَصْبَ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيُمْنَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ وَهُوَ غَرَرٌ” [منح الجليل:4/ 457].
أمّا ما يتعلق بمن تجبُ عليه أجرة الانتفاع بالمحل، ومن المطالب بدفع الإيجارات، في حال طالبتِ الدولة بتسوية السابقِ، فإن ثبت أن الدولة عوضت عن المحل تعويضًا مجزيًا رضيَ به الملاكُ، فعلى من انتفع بالمحل بالفعل أن يدفعَ الأجرة للدولة، ومن لم يستلم التعويض وانتفع بالمحل، فله أن يطالبَ الدولة بالتعويضِ الذي فاته، ويدفع الأجرة للدولة عن مدة انتفاعهِ، إنْ أخذ مستحقاتِهِ منها؛ لأنها بدفع المستحقات صارت المالكة للمحل، أو أن يخصم قيمة الإيجارات المستحقة عليه من الدولة نظير انتفاعه بالمحل، من قيمة التعويض الذي فاته استلامُهُ، بإجراء مقاصةٍ بين الأجرة وما يستحقه من التعويض، ويدفع للدولة ما زاد من الأجرة على قدر ما يستحق، ومن لم ينتفع فلا شيءَ عليه من الأجرة، أما إن لم يثبت تعويضٌ أو كان بخسًا، فليس على من انتفع أن يدفع أجرة للدولةِ، بل يدفع لباقي الشركاء مِن الأجرة بقدر انتفاعه بالمحلّ، كلٌّ بحسب حصته، ولا شيء على مَن لم ينتفع من الأجرة، قال الدسوقي رحمه الله: “إذَا كَانَتْ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ مَثَلًا فَاسْتَغَلَّهَا أَحَدُهُمَا مُدَّةً فَإِنْ كَانَ بِكِرَاءٍ رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ فِي الْغَلَّةِ، وَإِنْ أَشْغَلَهَا بِالسُّكْنَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ إنْ سَكَنَ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْهَا رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ اتِّبَاعِ شَرِيكِهِ لَهُ إلَّا هَذَا الشَّرْطُ، وَهُوَ سُكْنَاهُ قَدْرَ حِصَّتِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ عِلْمِهِ بِالطَّارِئِ وَلَا فَوَاتُ الْإِبَّانِ”[حاشية الدسوقي: 3/ 466] ويرجع في معرفة ثبوت التعويض من عدمه وما شمله وما لم يشملهُ للجهات المختصةِ.
وأما حق الانتفاع بالمحل في فترة التسويةِ، فهو من حق الإخوة وورثتهم من بعدهم، بموجب عقد الانتفاع المسجلِ باسم أحدِ الإخوة؛ لأنه إن ثبت أن التعويضَ يشمل المحل وكان مجزيًا، فعقد الانتفاع يمكنهم مِن ذلك؛ لأن الظاهرَ استمرار العقد للورثة، إلّا أن تفسخَ الجهة المانحة العقدَ، أو تعطي المنفعة لغيرهم، عملا بالإذن العرفي في ذلك، قال الدردير رحمه الله، في معرض كلامه عن إقطاع السلطان الأرض للفلاحين: “… يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَوَ نَائِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَرَثَةَ مِنْ وَضْعِ يَدِهِمْ عَلَيْهَا وَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابٍ يُؤَدِّي إلَى الْهَرْجِ وَالْفَسَادِ؛ وَلِأَنَّ لِمُوَرِّثِهِمْ نَوْعَ اسْتِحْقَاقٍ، وَأَيْضًا الْعَادَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حُكْمِ السَّلَاطِينِ الْمُتَقَدِّمِينَ: بِأَنَّ كُلَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَصْلَحَةِ، نَعَمْ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَالْأَمْرُ لِلْمُلْتَزِمِ” [الشرح الكبير: 2/189].
ويجوز لمن سيسعى في التسوية مع الدولة المطالبة بنسبة من المال على ذلك، ويستحقها إذا استوفى لهم حقهم من الدولة؛ لأنها وكالة بجعل على استيفاء حقّ، قال الدرير رحمه الله في باب الوكالة: “(أَوْ إنْ وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ)… (أَوْ جُعْلٍ) بِأَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى تَقَاضِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ قَدْرَهُ أَوْ عَيَّنَهُ وَلَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وُقُوعُهَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ (فَكَهُمَا) فَفِي الْإِجَارَةِ تَلْزَمُهُمَا بِالْعَقْدِ وَفِي الْجَعَالَةِ تَلْزَمُ الْجَاعِلَ فَقَطْ بِالشُّرُوعِ” [الشرح الكبير:3/ 397]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(هذه الفتوى لا يحتج بها في النزاعات، ولا أمام القضاء، ولا تفيد صحة الوثيقة، لاحتمال أن لدى من ينازع فيها مقالا والدار لا علم لها به)
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07//رمضان//1442هـ
19//04//2021م