بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2207)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
اجتمع لدينا نصاب من المال، ولدينا أبٌ معوقٌ، لايستطيع العمل، ومرتبه ضماني، وليس لدينا دخل سواه، وأحد إخوتنا يدرس في الخارج، على حساب العائلة، وابنته تدرس في الجامعة، وأحد إخوتنا أيضا يعمل في وظيفة حكومية، ومرتبه بالكاد يكفيه، وأسرتنا تتكون من خمسة أشخاص، فهل تجب على هذا المال الزكاة في مثل هذه الظروف؟ ولايخفى عليكم حال البلاد وما تمر به من أزمات، وما صحة قول بعض الناس؛ أنه لا يجب إخراج الزكاة في حال تعذر استثمار المال مكرهًا، وليس بقصد التخزين؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد اتفق أهل العلم، بلا خلاف بينهم، أن الزكاة واجبة على كل من ملك نصابا، ملكًا تامًّا، وحال عليه الحول، قال ابن رشد رحمه الله: “وأما على من تجب، فإنهم اتفقوا على كل مسلم عاقل مالك للنصاب ملكا تاما” [بداية المجتهد:245/1]، وذلك لقول الله تبارك وتعالى: )وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ( [التوبة:34]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أحمي عليها في نار جهنم، فيكوى جبينه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتي يُقضى بين الناس فيرى سبيله) [مسلم:988].
ولا نعلم أحدًا من أهل العلم المعتبرين، يشترط أن يستثمر المال من النقدين أو غيرهما؛ لتجب فيه الزكاة، وإنما هذا في زكاة العروض خاصة، فإنها لا تجب إلا عند التجارة فيها، والزكاة واجبة في قيمتها، قال ابن عبد البر رحمه الله: “لم يختلف العلماء أن العروض كلها إذا لم تكن تبتاع للتجارة فلا زكاة فيها” [الاستذكار:278/9]، وقال القاضي عبد الوهاب رحمه الله: “والعروض على ضربين: منها ما لا تجب الزكاة فيه بوجه، وهو ما أريد للقنية، ولم يُرد للتجارة، وذلك كالثياب للبس والخيل للركوب والرقيق للخدمة، وكل ما عدا الذهب والفضة والحرث والماشية، ولا خلاف في هذا، ومنها ما يراد به التجارة، فتجب الزكاة في قيمته” [المعونة:371/1]، فالواجب عليكم أداء ما أوجبه الله عليكم، من إخراج حق الفقراء والمساكين؛ خوفًا من الوعيد الشديد الوارد في منعها، وحرصًا على بركة مالكم وحفظه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما تلف مال في برٍّ ولا بحر إلا بحبس الزكاة) [الطبراني: فى مسند الشاميين (34/1 ،رقم 18)]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد الهادي كريدان
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
20/ربيع الآخر/1436هـ
10/2015/02م