بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4514)
السيد المحترم/ وكيل بلدية سوق الجمعة المكلف.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة طلب أهالي محلة الجهاد بمنطقة سوق الجمعة إزالة جزء من مقبرة السوالم من جهتين؛ جهة الطريق الرئيسي، وجهة تعتبر طريقًا فرعيًّا، وذلك من أجل تنفيذ المخطط العام المعتمد، كما هو مرفق، فما حكم هذا الفعل؟ علما أن تنفيذ المخطط كاملا يتوقف على إزالة ممتلكات خاصةٍ، واقعةٍ قَبلَ المقبرة وبعدَها من الجهة الرئيسة، وبعدَها من الجهة الفرعية.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالأصل أن لا يُتصرف في المقبرة بأيّ نوعٍ من أنواع التصرّف؛ لأن القبر حبسٌ على صاحبه ما دامَ فيه، ويحرمُ نبشُه، مادام به شيءٌ من عظامِه غير عَجْب الذَنَب، قال ابن الحاج رحمه الله: “… وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَحْمَةُ اللَهِ عَلَيْهِمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ، مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ، حَتَّى يَفْنَى، فَإِنْ فَنِيَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عِظَامهِ فَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْفَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَا يُكْشَفَ عَنْهُ اتِّفَاقًا” [المدخل: 2/18-19]، ولأن فيه إيذاءً للأموات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَسْرُ عَظْمِ المَيّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [أبوداود: 3207].
عليه؛ فيجوز لكم إزالة جزء من المقبرة إذا تم تنفيذ المخطط بالكامل، بأن كانت التوسعة للطريق شاملة للممتلكات التي قَبل المقبرة وبعدَها في الطريق الرئيس، وللممتلكاتِ التي بعدَ المقبرة في الطريق الفرعي، تحقيقًا للمقصود من الجواز الذي ينص عليه الفقهاء في إزالة جزء من المقبرة، وهو المصلحة العامة، وأمّا الاقتصارُ على إزالة جزء من المقبرة دون باقي الطريق فإنّه لا يحققُ المقصودَ، وبذلك ينتفي الجوازُ، وتبقى حرمةُ المساسِ بالقبور قائمةً، إلى أن تقوم الدولة بتوسيع الطريق.
وينبغي -في حال تم تنفيذ المخطط بالكامل من أول الطريق إلى ما بعد المقبرة في الجهتين (الرئيس والفرعي)- ينبغي أن يترك لذوي الموتى فرصةٌ لمباشرة نقل رفات موتاهم إلى مكان آخر، إن عُلموا، فإنْ جهل أربابُ القبور أو لم يُعْلَم ذَوُوهُم؛ فيتولى المجلس البلدي أو أعيان المنطقة نقل القبور الواقعة في الطريق، قال الحطاب رحمه الله: “وَكَذَلِكَ إذَا احْتِيجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ إجْرَاءَ الْعَيْنِ إلَى جَانِبِ أُحُدٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ كُلُّ مَنْ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيَخْرُجْ إلَيْهِ وَلْيَنْبُشْهُ وَلْيُخْرِجْهُ وَلْيُحَوِّلْهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا يَتَثَنَّوْنَ” [مواهب الجليل شرح مختصر خليل: 7/95].
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//شوال//1442هـ
30//05//2021م