بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4531)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أعمل محاسبًا ماليًّا في شركة أدوية، تقوم بتوريد الأدويةِ وبيعها عن طريقِ مندوبِين، حصلَ إشكالٌ بين الشركة وأحد المندوبينَ حول العمولات، ما أدّى إلى تركه العمل، وبقي في ذمته ديون للشركة، فطُلِب مني التواصل معه لتحصيل الديون، مع كون هذا العمل ليس من اختصاصي، وبدأتُ العمل على تحصيلِ الديونِ، دون اتفاقٍ مسبقٍ مع الشركة على أجرة هذا العمل، وبعد خمسة أشهر تم تحصيل قيمة مِن الدين، وطالبتُ بمستحقاتي نظير عملي، فكان ردّ الشركة أنني أستحق 1.5% فقط، وعللوا ذلك بأن هذا المندوب قد أخذ نسبته 10% مسبقًا، فما هي مستحقاتي نظير هذا العمل؟ علما أنني كنت أذهب بسيارتي الخاصة في غير وقت العمل، وأتواصل معه بهاتفي الخاص.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالتوكيل على اقتضاء الديون يقع على وجه الإجارة، إذا علم قدر الدينِ، ومن هو عليه، وعلى وجه الجعالة إذا جهل أحدُ الأمرين، قال الدسوقي رحمه الله: “اعْلَمْ أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ تَارَةً يَكُونُ إجَارَةً وَتَارَةً يَكُونُ جَعَالَةً، فَفِي الْإِجَارَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْقَدْرِ الْمُوَكَّلِ عَلَى اقْتِضَائِهِ وَأَنْ يُبَيِّنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِيَعْلَمَ حِينَ الْعَقْدِ هَلْ هُوَ مُعْسِرٌ أَوْ مُوسِرٌ أَوْ مُمَاطِلٌ أَوْ لَا، كَوَكَّلتُك عَلَى اقْتِضَاءِ كَذَا مِنْ فُلَانٍ وَلَك كَذَا أُجْرَةٌ، وَأَمَّا فِي الْجَعَالَةِ فَالْوَاجِبُ بَيَانُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْقَدْرُ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ” [حاشية الدسوقي: 3/397].
وكلا العقدين – الإجارة والجعالة – يشترط فيهما أن يكون العوض معلومًا للمتعاقدين؛ دفعًا لوقوع النزاع بينهما، فإذا وقع العقد مع الجهالة في العوض وحصل العملُ المتفق عليه، فالواجب الرجوع إلى أجرة المثل، وقد ذكر الفقهاء أن من عمل لغيره عملًا لا بد له منه، وشأنه أن يَستأجِرَ عليه، فإن العاملَ يستحق أجرةَ المثل، قال ابن شاس رحمه الله: “كُلُّ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَملاً أَوْ أَوصلَ إِليهِ نَفعًا، مِن مَالٍ أَوْ غَيرِهِ، بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِه، فَعليهِ رَدُّ مِثلِ ذَلِكَ المالِ، وَأُجرَةُ الِمثلِ فِي ذَلكَ العَملِ، إِنْ كَانَ مِن الأعمالِ التِي لَابدَّ لَهُ مِنَ الاسْتِئْجَارِ عَلَيهَا، أَوْ مِن المَالِ الذِي لَابدّ مِن إِنفاقِهِ… وَالقَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ وَالمنفِقِ: إِنّهُ لَمْ يَتَبرّعْ” [عقد الجواهر: 3/938].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، فالعقد بين الشركة والمكلّف بجمع الديون فاسد؛ للجهالة في العوض، والواجب الآن بعد تحصيل العامل لقيمةٍ من الدين الرجوع إلى أجرةِ المثل، ويتولى تحديدَها أهلُ الخبرة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
02//ذو القعدة//1442هـ
13//06//2021م