بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4541)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أوصَى السيد م عام 1393هـ، بوقف الغوط الكائن بالبلدة، المبينة حدوده في الوثيقة المرفقة، على ثلاث قصاع في رمضان من كلّ سنة، ويتولى ذلك (ن) ومن بعدها أبناؤها، وقد كان المكلفون بالنظارة على الوقف ملتزمين بإخراج القصاع من أموالهم الخاصة، وليس من ريع الأرض، حيث إنها لم تستثمر لعدم صلاحيتها للزراعة، فهل يجوز لهم بيع الأرض على أن يلتزموا بإخراج القصاع الموصى بها، أو يقوموا ببيع الأرض وشراء أرض أخرى بجزء من الثمن، عليها ثلاثة مساكن للفقراء تكون ملكا لهم، مع العلم أن المتولّين للوقف ليس لهم قدرة على استثمار أرض الوقف الحالية، وأن موقعها يعدّ تجاريا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل ألّا يُتصرّف في أرض الوقف بأيّ نوع من أنواع التصرفات التي تُذهب عينها؛ لما في ذلك من التعدّي على الحبُس والتّبديل لغرض المحبِّس، والله تعالى يقول: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ [البقرة:181]، وقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه، في أرض أراد أن يُحبِّسها: (…لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ، وَلاَ يُورَثُ) [البخاري:2764].
فلا يجوز بيع العقار الموقوف -ولو تعطلت منفعته-إن أمكن عود الانتفاع به ولم تدع ضرورة إلى البيع، كالخوف عليه من الضياع، قال يحيى الحطاب رحمه الله: “وَأَمَّا العَقَارُ المَوْقُوفُ المُنقطِعُ المَنْفَعَةِ فَإِنْ رُجِيَ أَنْ تَعودَ مَنْفَعَتُهُ وَلَا ضَرَرَ فِي إِبْقَائِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتّفَاقٍ” [رسالة في حكم بيع الأحباس: 37].
وإذا خُشِي على الوقف الضياع والخراب؛ لقّلة نفعه وعدم قدرة الناظر على استثماره، فيجوز له أن يعطي الأرض لمن يعمّرُها ببناء ونحوه، على أن يكون البناء ملكا للباني، وتقسم الغلة بين الوقف ومالك البناء بنسبة ما لكلٍّ منهما، قال الدردير رحمه الله: “الْخُلُوُّ الَّذِي وَقَعَتْ الْفَتْوَى بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ، إنَّمَا هُوَ فِي وَقْفٍ خَرِبٍ لَمْ يَجِد النَّاظِرُ أَوْ الْمُسْتَحِقُّ مَا يعمّرُهُ بِهِ مِنْ ريعِ الْوَقْفِ وَلَا أَمْكَنَهُ إجَارَتُهُ بِمَا يَعمّرُهُ بِهِ، فَيَأْذَنُ لِمَنْ يعمّرُهُ بِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ عَلَى أَنَّ مَا عَمَّرَهُ بِهِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُعَمِّرِ وَتُفَضُّ الْغَلَّةُ بِالنَّظَرِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَقْفِ؛ فَمَا نَابَ الْوَقْفَ يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ وَمَا نَابَ الْعِمَارَةَ يَكُونُ لِرَبِّهَا” [شرح أقرب المسالك: 4/ 101].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، ولم يتمكن المتولّون لنظارة الوقف من تنميته، فيجوز لهم أن يعطوا الأرض لمن يتولّى تعميرها، ثم تقسم الغلّة الحاصلة بين الوقف ومن تولّى البناء بنسبة ما يملكه كلٌّ منهما من العقار، وينبغي صرف ريع الوقف للفقراء والمحتاجين من طلبة القرآن والمعاهد الشرعية، نقدًا أو موادّ غذائية أساسية؛ لأنه بمثابة قصعة الإطعام التي أوصى بها الواقف، ولا يُقتصر على إخراج ثلاث قصاع في رمضان فقط؛ لأن الواقف قد وقف كامل الأرض، وتعيينه للعدد لعلّه باعتبار غلّة الأرض في ذلك الوقت، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عصام بن علي الخمري
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
10//ذو القعدة//1442هـ
20//06//2021م