بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4550)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
صدر قانون بخصوص بيع وشراء الوحدات السكنية التي تملكها الدولة، ووكلت في ذلك مصرف الادخار والاستثمار العقاري، بمقتضى قراري اللجنة الشعبية العامة رقم 697 لسنة 2008م، ورقم 186 لسنة 2009م، فقام والدي بالتعاقد مع المصرف عقدًا واحدًا متضمنًا للبيع والإجارة -حسب ما ذكر السائل-فإذا سدد الإيجارات تصير ملكا للمستأجر، ولم يسدد المستأجر الإيجارات مدةَ بقائه، وبعد أن توفي استأذنتْ زوجتُه مِن الجهة المعنية للبقاءِ في المنزل وتسديدِ قيمة الإيجارِ؛ فأذنوا لها، ولم تسدد كذلك، وبقيت الشقة يسكنها الورثة إلى الآن، فهل يجوز لنا بيع الشقة، وتقسيم ثمنها على الورثة؟ وهل يجوز للمرأة أن تقيم في مسكن واحد مع أخ زوجها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن إتمام عقد الوحدات السكنية -التي تملكها الدولة والتي صدر بشأنها قانون بخصوص بيعها عن طريق مصرف الادخار والاستثمار العقاري بمقتضى القرارين المذكورين-يتطلب إبرام عقدين بين مصرف الادخار وطالب التملك (المستفيد)، العقد الأول يسمى (عقد بيع ابتدائي)، بين المصرف (طرف أول) باعتباره وكيلا عن الدولة الليبية، وبين طالب التملك (طرف ثان)، والعقد الثاني يسمى (عقد بيع نهائي) عند سداد كامل الأقساط، يتم به نقل الملكية.
والعقد-بهذه الصورة-يعتبر عقدًا فاسدًا؛ لأنه غير مستوفٍ للمتطلبات الشرعية، ومشتملٌ على مآخذ ومخالفاتٍ شرعية، وهي: المنع من التصرف في العقار المباع، وتردد العقد بين البيع والإجارة، وإلزام المسـتأجر بالترميم والصيانة؛ لما فيه من الجهالة بالأجرة، وبذلك يُعلم أن هذا العقد بصيغته الحالية غير مستوفٍ للشروط الشرعية. وليس هناك في الشريعة عقد ابتدائي وعقد نهائي، فإذا وُجد عقد فيه باع فلان واشترى فلان فهو عقد نهائي، ولا يجوز للبائع أن يمنع المشتري من التصرف، والصورة الجائزة -إذا أراد البائع أن يضمن الثمن- أن يعلق التسليم على الإتيان بالثمن، فيكون العقد واحدًا لا عقدين.
عليه؛ فإن العقد المبرم من قبل والدكم مع مصرف الادخار عقدٌ فاسدٌ شرعًا، يجب فسخه، والشقة لا تزال على ملك الدولة، فعلى الورثة تسوية أمر الشقة مع الجهة المعنية، وفي حال رغبتهم في تملّك الشقة، فعليهم إجراء عقد جديد بصورة شرعية، وكذلك يجب عليهم تسديد ديون الإيجارات المترتبة على انتفاع والدهم بالشقة، كما يجب على من انتفع من الورثة تحمّل ديون الإيجارات المترتبة على بقائه في الشقة، ولا يجوز بيع الشقة ولا تقسيم ثمنها على الورثة؛ لعدم تملك والدهم لها ملكًا تامًّا.
أما بقاء المرأة مع أخ زوجها فمحرمٌ شرعًا؛ لأنه من الخلوة مع مَن ليس محرَمًا لها، وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخلوة إلا مع ذي محرم، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) [صحيح البخاري:5233]، وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول أقارب الزوج على زوجته، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) [صحيح مسلم:2172]، قال النووي رحمه الله: “اتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الأَحْمَاءَ أَقَارِبُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ” [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج:14/154]، والبقاء في منزلٍ واحدٍ أشدُّ من الدخول، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11//ذو القعدة//1442هـ
21//06//2021م