استغلال المسؤولين لمناصبهم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2231)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا (س)، مدير إدارة المتابعة بوزارة (م)، أتقدم إليكم بهذا الاستفتاء، المتضمن تظلمًا من وزير (م)، الذي قام بشراء سيارة مصفحة، من ميزانية الطوارئ، المخصصة للـ ….، حيث قام الوزير بشراء السيارات المخصصة لهذا الغرض، وكان من ضمن الصفقة المذكورة سيارة مصفحةٌ، أراد الوزير أن يسجلها باسمه، فتكون خاصة لشخصه، لا لمنصب الوزير، وهذا مخالف للأنظمة واللوائح المنظمة لهذا الشأن، علما بأنّ ثمنَ السيارةِ مائة وخمسة وسبعون ألف دينار ليبي (175,000 د.ل)، حيث تمّ إقالتي من وظيفة مدير إدارة المتابعة بالوزارة (م)؛ لكوني مَنعتُ الإجراء المذكور، بناء على نصوص اللوائح والقوانين، فهل من توجيه شرعي بخصوص الحادثة المذكورة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذا كان ما ذُكر في السؤال هو الواقع، فإنّ هذا يعتبر من خيانة الأمانة، التي أسندها الله تعالى إلى المسؤولين، من رعاية شؤون ….، وذلك لأنّ تولّي الوزارة، هو أمانة، يُسئَل عنها مَن تولاها، وهذه الأمانة ستكون يوم القيامة خزيًا وندامةً، إلا مَن أخَذها بحقها، ووفّى ما أوجبه الله عليه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه، لما سأله الإمارة: (وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها)، بل هي من جملة العقود، التي أمر الله تعالى بالوفاء بها، قال الله تعالى: (يَأيُّها الّذينَ آمَنُوا أَوفُوا بالعقُودِ).
أما ما حصلَ مِن الوزير المذكور، فإنه يُعد خطأً وظلمًا لنفسِه وللرعيةِ الذينَ استرعَاه اللهُ إياهم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ، وكلُّكم مسؤُولٌ عَن رعيَّته)، بل مَن تتبعَ أخبارَ الولاة والوزراء، الذين ازدهرت أمة الإسلام إبّان حكمهم، يجدهم قد ضربوا أسمَى معانى الوفاء وأداء الأمانة على وجهها الصحيح، حيث كان أحدهم يقف على المنبر، فيُسمع من بطنه صوتٌ يدلّ على الجوع، فيقسِم بقوله أنه لا يشبعُ حتى يشبعَ فقراءُ وأطفال المسلمين، والمواقف يضيقُ المقام بحصرها.
وعليه؛ فإنه يجب على هذا الوزير أن يتقيَ الله تعالى، فيما حصل منه، إن كان ما نُقل صحيحا؛ لأن الامتيازات التي تعطى للوظيفة والمنصب، هي مِن حق المؤسسة التي يرأسها أو يعمل فيها، ويدلّ على ذلك حديث ابن اللتبية الشهير، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل عاملا يجمع الصدقات، فكان يأتي ويقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فهلَّا جلسَ في بيتِ أبيه وبيت أمه، حتى تأتيَه هديتُه إن كان صادقا، فو الله لا يأخذ أحدكم منها شيئا، [قال هشام: بغير حقه] إلا جاءَ الله يحملُه يوم القيامة، ألا فلأعرفنَّ، ما جاءَ الله رجلٌ ببعير له رغاء أو ببقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأيت بياضَ إبطيه؛ ألا هل بلغت)، وقد أحسن مَن أوقف هذه المعاملة، إذ يدلّ هذا العمل على ولاءٍ للمصلحة، لا لرئيسها، وبهذا تبنى المؤسسات على الوجه الصحيح، عندما يكون ولاء موظفيها لمؤسستهم، لا لإرضاء رئيسهم، الأمر الذي يعود بالنفع على البلاد والعباد، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07/جمادى الأولى/1436هـ
26/02/2015م