بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4618)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي أخي الأكبر سنة 2020، وكان قد تنازل في عام 2016 عن بعض أملاكه لابنته، وهي عبارة عن منزل من طابقين، بقي أخي مقيما مع ابنته في الطابق الأرضي إلى أن مات، وعن حصته في المشاع من قطعتي أرض من تركة أبيه، كما هو مذكور في الوثيقة المرفقة، فهل التنازل صحيح؟ علما أن الأرض الموروثة كانت مؤجّرة، ونصيب الأخ الأكبر من الإيجار كانت تقبضه ابنته.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ التنازل المذكور يعدّ من قبيل الهبة، التي يُشترط فيها الحيازة حال حياة الواهبِ، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلاَ تَتِمُّ هِبَةٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلاَ حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة:117]، والحيازة في العقار تكون برفع الواهب يده عنه بالكلّية، بخروجه منه وإخلائه من شواغله، مع تصرّف الموهوب له في العقار تصرّفًا يدل على التملّك حال حياة الواهب، وأما هبة المشاع فتحصل الحيازة فيها بتصرف الموهوب له مع الشركاء كأنّه واحد منهم، قال الونشريسي رحمه الله: “كُلُّ مَنْ وَهَبَ جُزْءًا مِنْ مَالٍ أَوْ دَارٍ، وَتَوَلّى -أي الموهوب له- احْتِيَازَ ذَلِكَ مَعَ وَاهِبِهِ، وَشَارَكَهُ فِي الاغْتِلَالِ وَالارْتِفَاقِ، فَهْوَ قَبْضٌ وَحَوْزٌ” [المعيار المعرب: 9/196].
وإذا كانت الهبة تشتمل على أمور متعدّدة، وكان الموهوب له بالغًا رشيدًا، وحاز بعضها دون بعض، نفذت الهبة فيما حازه، ويُنظر في غير المحوز؛ فإن كان يساوي ثلث جميع الموهوب فأقل نفذت فيه الهبة أيضًا، وإن كان غير المحوز أكثر من الثلث رجع ميراثًا، يقسم على جميع الورثة، قال أبو الحسن الصغير في جواب سؤال عن امرأة وهبت لابنتها جميع ما جرّه الإرث إليها من زوجها والد الصبية، فحازت الابنة بعضه وبقي بعضه: “إِنْ كَانَتِ الهِبَةُ بِالمَورِثَينِ فِي عَقدٍ وَاحِدٍ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَكَانَ المَورِثُ المَحوزُ وَجهَهَا وَالّذي لَم يُحزْ مِنَ المَورِثَينِ تَبعًا لِلمَحوزِ مِنْهَا صَحّت الهبَةُ المَذكورَةُ فِيما حِيزَ مِنْها وَمَا لَمْ يُحَزْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيرُ المَحوزِ تَبعًا لِلمَحوزِ بَطلَتْ فِي غَيرِ المحَوزِ وَصحّتْ فِي المَحُوزِ” [المعيار: 9/160].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، من كون ابنة المتنازل هي من يتولّى قبض الإيجارات في الأراضي الموهوبة؛ فالتنازل فيها صحيح، وتختص البنت بحصة والدها دون باقي ورثته، وأمّا الطابق الأرضي الذي بقي الواهب ساكنًا فيه إلى أن مات، فينظر لقيمته بالنسبة إلى مجموع قيمة الموهوب يوم الهبة؛ فإن كان يساوي ثلث قيمة الهبة فأقلّ اختصّت به البنت؛ لأنه صار تبعًا للمحوز، وإن كانت قيمة الطابق الأرضي أكثر من الثلث فالهبة فيه باطلة، ويكون ميراثًا، يقسم بين ورثة الواهب جميعًا، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
22//محرم//1443هـ
30//08//2021م