الفساد الإداري وخيانة الأمانة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2276)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
لاحظتْ هيئة الرقابة الإدارية، من خلال متابعتها للجهات الخاضعة لرقابتها، فسادا إداريا وماليا كبيرا في إدارات الدولة، يتمثل هذا الفساد في صرف مرتبات لأشخاص بعد وفاتهم، وصرف مرتباتٍ لأطفال، والتجاوز في مرتبات المتقاعدين، وإحالة مرتبات للمصارف بأسماء وهمية، ودعمًا لعمل الهيئة في تقنين هذه المخالفات، من خلال نموذج الاستمرارية المعد من الهيئة، والذي يلزم الموظف ورئيسه المباشر ورئيسه الأعلى بالتوقيع عليه، وإلزام المراقبين الماليين بعدم صرف المرتبات إلا عن طريق هذا النموذج، نأمل منكم بيان الحكم الشرعي لمن يستلمون المرتبات بالمخالفات المذكورة، وكذلك للمسئولين بالأقسام المالية ومكاتب المراجعة الداخلية والمراجعين الماليين، الذين يقومون بهذه المخالفات عن قصدٍ أو إهمال.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن ما يفعله بعض المسئولين بإدارات الدولة، والأقسام المالية، ومكاتب المراجعة الداخلية، والمراجعين الماليين – قصدا أو إهمالا – من صرف مرتبات لأشخاص بعد وفاتهم، وصرف مرتبات لأطفال، يعدّ من خيانة الأمانة التي أسندت إليهم، وقد حذّر الله تعالى من خيانة الأمانة، فقال: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ( [الأنفال:27]، وهو غشّ للرعية، التي استرعاهم الله تعالى إياها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن عبد يسترعيه اللهُ رعيةً، يموتُ يوم يموت وهو غاشّ لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة) [مسلم:1459/3].
وما تقوم به هيئة الرقابة الإدارية هو مما أوجب الله عليها من تحمل المسئولية المنوطة بها، في متابعة عمل الإدارات التابعة لها، تُشكر عليه في الدنيا، وتثاب عليه في الأخرى، وعلى جهات الاختصاص بالدولة محاسبة هؤلاء وأمثالهم؛ ليكونوا عبرة لغيرهم.
وعلى كل مسئول مباشرا كان أو أعلى أن يتقي الله عند اعتماده لنموذج استمرارية العمل للعاملين التابعين له، وليلتزم الأمانة والصدق، وليحذر الكذب والتزوير.
وعلى من يأخذ هذه الرواتب أن يتقي الله تعالى، ويحذر عقابه؛ قال صلى الله عليه وسلم: (واللهِ لا يأخذُ أحدٌ منكم شيئا بغيرِ حقِّه إلا لقيَ اللهَ يحملُه يومَ القيامة) [البخاري:28/9]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وإنّ هذا المال خضِرةٌ حلوة … وإنه مَن يأخذه بغيرِ حقّه كالذي يأكل ولا يشبعُ، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة) [البخاري:532/2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة) [البخاري:3746]، وعليهم التوبة من أخذ هذا المال، ورده لخزانة الدولة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (على اليدِ ما أخذت حَتى تؤدِّيه) [أحمد:20086]، فحرمة المال العام أعظمُ من حرمة المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدُّد الذِّمَمِ المالكةِ له، ولقد أنزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منزلةَ مال اليتيم، الذي تجب رعايتُه وتنميتُه، ويحرم أخذه بغير وجه حق، والتَّفريط فيه [مصنف ابن أبي شيبة:32914]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
27/جمادى الأولى/1436هـ
18/مارس/2015م