بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4774)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا امرأة متزوجة منذ ثماني سنوات، أم لستة أطفال، لدي مشاكل مع زوجي؛ منها غضبه كلما حملتُ، ولكثرة الأعباء المُلقاة على عاتقي، من تربية وعمل للنفقة على أبنائي-حيث إن زوجي يرفض العمل تكاسلًا-فهل يجوز لي أن أمنع الحمل باستعمال (اللولب)؟ علمًا أني لا أُعاني من مشاكل صحية، وأن زوجي موافق على منع الحمل.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ مِن مقاصد الشريعة الإسلامية بقاء النوع الإنساني وتكثير النسلِ، قال صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ) [أبوداود: 2050]، والأصلُ الذي تقرره أدلة الكتاب والسنة هو حرمة اتخاذ وسائل منع الحمل الدائم، التي تؤدي إلى قطع النسلِ، إلّا لضرورة شرعية، فقد ثبت في الصحيحين أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الاختصاءِ [البخاري: 4615]، ومن حِكَم تحريم الإخصاء أنه قطعٌ للإنجاب من الرجل، فيقاسُ عليه كلُّ ما يؤدّي إلى منعِ الإنجاب بالكلية من المرأة؛ لأن النساء شقائق الرجال، كما جاء في الحديث [أبوداود: 236]، وقال الفاكهاني رحمه الله: “وَأَمَّا لَوِ اسْتَعْمَلَتْ دَوَاءً لِقَطْعِهِ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ لَهَا، حَيْثُ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسْلِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ مَا يَقْطَعُ نَسْلَهُ، أَوْ يُقَلِّلُهُ” [الفواكه الدواني: 1/117]، وجاء في قرارِ مجمعِ الفقه الإسلامي رقم (39) ما نصّه: “يَحْرُمُ اسْتِئْصَالُ الْقُدْرَةِ عَلَى الإِنْجَابِ فِي الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ، وَهْوَ مَا يُعْرَفُ بِالإِعْقَامِ أَوْ التَّعْقِيمِ، مَا لَمْ تَدْعُ إِلَى ذَلِكَ الضَّرُورَةُ بِمَعَايِيرِهَا الشَّرْعِيَّةِ”.
واستعمال اللولب يختلف حكمه باختلاف وظيفته، فإن كانت وظيفته إفسادَ النطفة بعد التلقيحِ-وهو الظاهر-فهو محرمٌ شرعًا؛ لأنه إجهاضٌ مبكر، سواء كان ذلك قبل الأربعين يومًا أو بعدها، قال الصّاوي رحمه الله: “لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ حَرُمَ إِجْمَاعًا” [حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 2/420].
وأما إن كانت وظيفته منع تلقيح البويضة، وعدم حصوله ابتداءً، فاستعماله بتراضي الزوجين جائزٌ -إذا لم يكن فيه كشف عورة لغير الزوج- قياسًا على العزل، ففي حديث جابر رضي الله عنه: “كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَنْهَنَا” [مسلم: 1440]، وقال الزرقاني رحمه الله: “وَمِثْلُ الْعَزْلِ أَنْ يَجْعَلَ فِي الرَّحِمِ خِرْقَةً وَنَحْوَهَا مِمَّا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ لِلرَّحِمِ” [شرح الزرقاني: 3/399]، فإن دعت ضرورة صحية إلى استعمال اللولب، وفُقِد البديلُ، فلا مانع منه، وإن كُشِفت فيه العورة لغير الزوج، وأما إن شُكَّ في وظيفته، هل يمنع التلقيح ابتداءً أو يُفسده بعد حصوله، فالأَوْلى تركُه، واستعمال دواء آخر يمنع التلقيح، مثل أقراص منع الحمل.
واشتغال المرأة بالتكسُّب، أو خوف عدم القدرة على توفير مصاريفِ الأولاد، ليس من الضرورات الشرعيةِ التي يباحُ بها المحظور، بل منع الحمل مذموم شرعًا إن كان خشية الفقر، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَادَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَاقٍ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ﴾] الإسراء: 31]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)[المستدرك: 7894]، ويجب على الزوج أن يبحث عن عمل لِيُنفِقَ به على زوجته وأبنائه؛ فهو مطالب شرعًا بالنفقة عليهم، ولأن ذلك مما تقتضيه قوامةُ الرجل على المرأة، قال تعالى: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَالِهِمۡۚ﴾ [النساء: 34]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
23//جمادى الآخرة//1443هـ
26//01//2022م