بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4754)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
لي صديق يعمل في صياغة الذهب منذ عام 1980م، وقد ثبت عندي بعد تعاملي معه أنه يَنقص من عيار الذهب، ويغشّ الناس، فلما راجعتُه في ذلك؛ أقرَّ وندم، وهو الآن عازم على التوبة، بعد أن أمضى في عمله هذا أربعين سنة، جمع فيها أموالًا وعقارات تُقّدَّرُ بالملايين، فماذا يلزمه لتبرأ ذمته؟ وكيف يتخلص من المال الحرام؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الغشَّ من كبائر الذنوب، وقد توعد الله فاعله بقوله: (وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكۡتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسۡتَوۡفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ) [المطففين: 3]، والويلُ وادٍ من وديان جهنم، وقد تبرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الغاشّ، فقال: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) [مسلم: 101]، وكلُّ مالٍ تُوُصِّلَ إليه بغشِّ الناس وخداعهم، بإنقاص وزن الذهب أو عياره، أو خلطه بالنحاس وغيره من الموادِّ بنسبة تزيد على النسبة المتفق عليها مع المشتري، أو غير ذلك من صور الغش؛ فهو مالٌ حرامٌ، وأكلٌ لأموال الناس بالباطل، وهو من الخيانة والغُلول، وقد قال سبحانه: (وَمَنْ يَّغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ) [آل عمران: 161].
ويجب على مرتكبه أن يسارع بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، بالتحلّل من الحقوق التي تعلقت بذمّته، فإنّ توبة العبد فيما بينه وبين العباد لا تصحّ إلا بردّ الحقوق إلى أصحابها، ومن لم يتحلَّلْ منها في الدنيا، فإنه صائرٌ إلى ردِّها يوم الجزاء والحساب، قال صلى الله عليه وسلم: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ -التي لا قرن لها- مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) [مسلم: 2582]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه) [البخاري: 6169].
وعليه؛ فإنّ الواجبَ على صاحبك أن يُقدِّرَ جميعَ الأموال التي اكتسبها من هذا العمل، طيلةَ سنوات اشتغاله به، ويقدّرَ نسبة الغشّ التي كان يَنْقُصُهَا من الذهب عادةً، مع احتياطه في كلا التقديرين لنفسه، بأن يزيد عليهما شيئًا يتيقنُ به إحصاءَ جميعِ الأموال واستيفاءَ نسبة الغش فيها، فإن كان يعلم أنَّ نسبةَ الغشّ في وزنِ أو عيارِ كلِّ قطعةِ ذهبٍ باعَها لا تتجاوز 5% من إجمالي وزنها أو عيارها؛ فإنه يُقدِّرُ كُلَّ ما اكتسبه من الأموالِ، ثم يُخْرِجُ منها تلك النسبة، ويُنفقها على الفقراء والمساكين وفي مصالح المسلمين العامّة؛ كرصف الطرق وبناء المدارس وغير ذلك، تخلُّصًا من الحرام، لا مِن بابِ الصدقة، ومن عرف أنه غشَّهم بأعيانهم؛ فإنه يجب عليه أن يردَّ إليهم حقّهم، أو إلى ورثتهم إنْ ماتوا، ولو لم يُخبرهم بالسبب، بل يكفي أن يقول لهم: هذا المال حقٌّ لكم، ولْيَصْدُقْ مع الله في توبته، ولْيُكْثِرْ مِن الطاعات والصَّدَقات، حتى يتوبَ الله عليه؛ فإنّ الحسناتِ يُذهبن السيئات، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//جمادى الأولى//1443هـ
02//01//2022م