طلب فتوى
البيعالتبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

بيع أرض محبسة لأجل صيانة المسجد

التصرف في الوقف بالبيع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4638)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

أوقف رجل قطعة أرضٍ على مسجدٍ مقابلٍ لها، ثم بُني عليها مبنًى جُعلَ جمعيةً استهلاكية، وحُول بعدها ليكونَ منزلًا لإمام المسجد، وتوفي الواقفُ ولم تسجلِ الأرض في الأوقاف، والآن تقامُ صيانةٌ كبرى للمسجدِ؛ من تغيير للأبواب والنوافذ وصيانة للسقف المتهالك، فهل يجوز لورثة المحبس بيع الأرضِ لصرفِ ثمنها في صيانة المسجدِ، وبناء منزلٍ للإمام بجواره؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالأصلُ ألّا يُتصرّفَ في أرض الوقفِ بأيّ نوعٍ من أنواع التصرفاتِ، التي تُذهب عينها؛ لما في ذلك من التعدّي على الحبُس والتّبديل لغرض المحبِّس، والله تعالى يقول: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ [البقرة:181]، وقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه، في أرض أراد أن يُحبِّسها: (…لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ، وَلاَ يُورَثُ) [البخاري:2764]، وقال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَلاَ يُبَاعُ الحُبُسُ وَإِنْ خَرِبَ” [الرسالة: 119].

لكن استثنى بعض فقهاء المالكية مِن ذلك، ما إذا نزلت بالمحبّس عليه حاجة يخشى عليه من الهلاك بسببها، ولم يمكن تخليصه إلا ببيع الوقف؛ لأن بيعه في هذه الحالة أولى عند ال محبِّس من ضياع المحبّس عليه، قال التسولي رحمه الله: “وَأفْتى القَاضِي أَبُو الْحسن عَليُّ بنُ مَحْسُود بِجَوَاز البَيْعِ لِخوفِ الْهَلَاكِ بِالْجُوعِ وَنَحْوه، وَظَاهرُه كَانَ الْمحبَّسُ عَلَيْهِ معيّنًا مَحْصوراً أَمْ لَا… قُلتُ: وَتَأمّل مَا قَالَه الْفَقِيه الصديني وَأَبُو زَيدٍ الفَاسِي مَعَ نَقلِ ابْنِ رَحّالٍ، جَوَاز البَيعِ عَن اللَّخْمِيّ وَعبدِ الحمَيدِ وَنَصُّه: وَمَن حُبّسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ لِمثلِ مَجاعَةٍ فَإِن الْحَبْس يُبَاع وَينْفق على الْمحبس عَلَيْهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَعبد الحميد… وَعلل اللَّخْمِيّ ذَلِك بِأَنَ الْمحبّس لَوْ حَضرَ لَكَانَ إحْيَاءُ النَّفسِ عِنْدَه أَولَى اه. بِاخْتِصَار… وَفِي المعيار عَن العبدوسي أَنّهُ يَجوزُ أَن يُفعَلَ فِي الْحُبْسِ مَا فِيهِ مَصلَحَةٌ مِمَّا يَغلِبُ عَلى الظَّنِّ حَتَّى يكَادُ يُقطعُ بِهِ أَنّه لَو كَانَ الْمحبّسُ حَيّا لَفعلَهُ وَاسْتَحْسَنهُ اه. وَذكَرَ ابْنُ عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ فِيمَن حبّستْ عَلى ابْنَتِهَا دَنَانِير وَشرَطتْ أَن لَا تُنْفَقَ عَلَيْهَا إِلَّا إِذَا نُفسَتْ قَالَ: ذَلِك نَافِذٌ فِيمَا شَرطَتْ وَلَو َنزلَتْ شِدَّةٌ بِالابنَةِ حَتَّى خِيفَ عَلَيْهَا الْهَلَاكُ لَأُنفِقَ عَلَيْهَا مِنْهَا لِأَنَّهُ قَد جَاءَ أَمرٌ يُعلَمُ مِنْهُ أَنّ المحبّسَةَ أَرغَبُ فِيهِ مَن الأوّل اه. فَهَذَا كُلّه يُؤَيّدُ فَتْوَى ابْنِ مَحْسُودٍ ويُرجّحُها وَيدلّ على أَنَّهَا أَولَى ِبالاتّباعِ وَالْعَمَل” [البهجة: 2/389]. وقد ذكر الفقهاء أيضاً أن أرض الوقف تباع إذا احتيج إليها في توسعة المسجد، قال الخرشي: “إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ وَاحْتَاجَ إلَى تَوْسِعَةٍ وَبِجَانِبِهِ عَقَارٌ حُبْسٌ أَوْ مِلْكٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحُبْسِ لِأَجْلِ تَوْسِعَةِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الْحُبْسِ أَوْ صَاحِبُ الْمِلْكِ عَنْ بَيْعِ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِ الْحُبْسِ مَا يُجْعَلُ حُبْسًا كَالْأَوَّلِ” [7/95]، وإذا جازَ بيع أرضِ الوقفِ لأجل التوسعةِ، فبيعهُ لأجل صيانةِ المسجدِ جائزٌ مِن باب أوْلى.

عليه؛ فإذا لم يوجد مالٌ للمسجد يصلح به إلّا ببيع الأرض الموقوفة عليهِ، فلا بأسَ ببيعها، وصرف ثمنها في صيانته، بشرطِ ألّا تكون الصيانة في الكماليات والأمور التحسينيةِ، ثمّ إذا بقي شيءٌ من ثمن الأرض بعد ذلكَ، فتُشتَرى به أرضٌ أخرَى للمسجدِ إن أمكنَ، أو يسهمَ به في وقفٍ آخرَ، بدل الأرض التي بيعت، فإن أمكن جمع مال من التبرعات ونحو ذلك لإصلاح المسجد، فينبغي ألّا يباع الحبس، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

عبد الدائم بن سليم الشوماني

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

11//صفر//1443هـ

19//09//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق