بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4719)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
يملك والدنا ثلاثة منازل، أحدها في ص بقي على ملكه حتى مات، والآخران في ط، وهب أحدهما لأحد أبنائه، وبقي الابن ساكنًا فيه إلى أن مات والده، والمنزل الثاني يقيم فيه أخي الثاني، الذي توفي بعد والدي، ويدّعي أهله أن والدنا ملّكه إياه بعقد بيع بينهما، وليس لهم صورة من العقد ولا شهود عليه، فهل يدخل هذان المنزلان في التركة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن من شرط تمام الهبةِ أن يحوزَها الموهوبُ له في حياةِ الواهبِ، ويتصرف فيها تصرفَ المالك في ملكهِ، قال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَلاَ تَتِمُّ هِبَةٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلاَ حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَن تُحَازَ فَهْيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة:117]، وسكنى الابن في المنزل الموهوب له تتحقق به الحيازة، قال أبو الحسن المنوفي في تعريف الحيازة: “هِيَ وَضْعُ اليَدِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَحُوزِ كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ؛ بِالْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ، وَالْهَدْمِ، وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهٍ التَّصَرُّفُ”[كفاية الطالب الرباني: 2/482].
وأما المنزلُ الثاني الذي ادُّعي أن الأب باعه لابنه، فالأصل بقاؤه على ملك الأب، حتى يُثبت مدّعُو البيع ما يفيد نقل ملكيّته للابن، قال الدسوقي رحمه الله: “وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ لِوُضُوحِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِهِ بِيَمِينٍ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ، وَمِنْ هُنَا مَسْأَلَةُ التَّنَازُعِ هَلْ هِيَ أَمَانَةٌ أَوْ بَيْعٌ أَوْ سَلَفٌ، فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ” [حاشية الدسوقي: 3/188].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فالمنزل الأوّل الذي وهبه الوالد لابنه، لا يدخلُ ضمن تركة الوالد المتوفى، ويختص به الابن الموهوب له؛ لتحقق الحيازة بسكناه فيه، وأما المنزل الثاني فيحلف الورثة المنكرون للبيع على عدم حصوله، ويكون المنزل بذلك ميراثًا يقسم على جميع ورثة الأب، حسب الفريضة الشرعية، وإن امتنعوا عن اليمين توجهت اليمين إلى من ادّعى البيع، فإن حلفوا على دعواهم كان المنزل ملكًا للابن يختصّ به ورثته، وإن امتنعوا هم أيضًا عن الحلف بقي المنزل ميراثًا لورثة الأب، يقسم بينهم حسب الفريضة الشرعية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الرحمن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
16//ربيع الآخر//1443هـ
22//11//2021م