الضوابط الشرعية الواجب مراعاتها لعمل صندوق التكافل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2357)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نرغب في إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي، حيث يتم الاشتراك في الصندوق من قبل العاملين، ويحدد النظام الأساسي للصندوق مبلغ الاشتراك لكل منتسب، ويتم الصرف من الصندوق في حالات؛ (الوفاة، الأفراح، الحوادث، ….)، وبالتالي قد يستفيد المشارك في الصندوق، وقد لا يستفيد؛ فما هي الضوابط الشرعية الواجب مراعاتها لعمل صندوق التكافل.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنشاء صندوق ليكون عونًا على وجوه البر؛ مثل تزويج العَزَب، وعلاج المريض، والإعانة على الدية في القتل، وسداد القرض عن المعسر، يعدّ أمرًا مشروعًا محمودًا، من التعاون على البر والتقوى، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) [مسلم:2699]، ومن يدفع جزءا من المال كل شهر إلى هذا الصندوق؛ طواعيةً منه – لا يدفعها ليغامر بها رغبة في أخذ أكثر مما يعطي، وكسب مال الآخرين، وإنما يفعل ذلك ليعين نفسه ويعين غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلة لا يقدرون على دفعها، حتى يدفعوها متعاونين – مَن يشارك في الصندوق بهذه النية، يكون مأجورًا إن شاء الله، فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم منّي وأنا منهم) [البخاري:2354]، فمالُ الأشعريين قد يصيب فيه أحدهم أكثر مما يصيب غيره، ومال الصندوق كذلك، قد يصيب فيه أحدُ المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غرر ولا غبن، كما لم يكن في ثوب طعام الأشعريين غرر ولا غبن.
وينبغي أن تكون مصارف الصندوق كلها مصارف مشروعة، وليس فيها إعانة على إنفاق غير مشروع، كدفع المال لمن يموت له أحد قرابته – كما جاء في السؤال – ليعينوه على شراء الذبائح وإطعام الطعام، فإن طعام الميت منهي عنه؛ لما جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) [ابن ماجه:1612].
ويجوز للشركة سن قوانين في دفع الأقساط، وتحديد مدة الاشتراك، ويجوز لها أن تُسند إدارة أعمال الصندوق إلى مؤسسة، أو شركة أخرى متخصصة، لها خبرة ومعرفة في التنسيق مع المؤسسات العلاجية والمصحات – بخصوص العلاج – مقابل أجر معين محدد، يكون عملها ترتيب إجراءات إدخال الموظفين إلى المصحات، ومتابعة علاجهم.
وأن يتم تحديد ما تتقاضاه الشركة الوسيطة، التي تدير أعمال الصندوق، والتنسيق بين الموظفين والمؤسسات العلاجية، على أحد الوجهين الآتيين:
أ- إما أن تحدد أجرة قيامها بعملها على أساس نسبة مئوية محددة، من قيمة اشتراكات الصندوق.
ب- أو أن يتم تحديدها بمبلغ معين مقطوع، تأخذه عن كل معاملة تقوم فيها بالتنسيق بين الموظف وإتمام إجراءات علاجه مع المصحات، وهذا الوجه الثاني أحسن.
وأن يتم دفع مصاريف العلاج؛ مِن صندوق التكافل، إلى المؤسسات والمصحات العلاجية, بموجب الفواتير الفعلية الصادرة من المصحات، وأن تكون الشركة المسند إليها العمل ممن قد فتحت نافذة شرعية، أو كانت قد تحولت بالكامل إلى التأمين التكافلي، واعتمدت هيئة الرقابة الشرعية عملها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
16/رجب/1436هـ
05/مايو/2015م