لا حق لمغتصب العقار في أخذ تعويض عنه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2358)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أُغتصب بيتُنا من قبل المؤُجِّر له، بعد إصدار القانون رقم (4) 1978م، فقام المغتصب باستخراج شهادة عقارية، جاء فيها وبالخط العريض: “العقار عائد إلى (م)؛ تطبيقًا للمقولة الخالدة: البيت لساكنه”، وقدمنا مستنداتنا للمحكمة، وصدر حكم بإرجاع البيت لنا، ولم نستطع التنفيذ، نظرًا لعلاقاته بمسؤولين من النظام السابق، وبعد ثورة 17 فبراير، صدر حكم آخر، يقضي منطوقه بطرد الغاصب، وإلزامه بتسليم العقار لنا خاليا، فتعهد الغاصب لنا بتسليم العقار، شريطة أن نتنازل له عن قيمة التعويض، الذي ستسلمه لجنة التعويضات عن هذا القانون الظالم، فهل له الحق شرعًا في أن يشترط مثل هذا الشرط؟ وهل لنا أن نطالبه نحن بالتعويض، نظير انتفاعه بهذا العقار طيلة هذه المدة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا يجوز شرعًا الاستيلاء على أملاك الغير بغير وجه حق، سواء كانت الأملاك خاصة أو عامة؛ لقول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ( [النساء:29]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه طوقه في سبع أرضين يوم القيامة) [البخاري:2322،مسلم:1610]، وكل ما حصل بموجب القانون رقم (4) لسنة 1978م، تعدٍّ وغصبٌ لا يَثْبُتُ به حق، وقد نصَّ العلماء على أن حكم الحاكم يُنقض إذا خالف الأدلة الشرعية الصريحة، ولا يَنْفُذ حكمه، ويبقى الحق لأصحابه، سواء كان محتاجًا أو غير محتاج، فكله يسمى غصبًا، وكله حرام، والحاجة لا تحل أموال الناس، ولا يحل له أن يطالبكم بما لا حق له فيه، ولا أن يشترطه عليكم.
والتعويض إن كان مقابل العقار المأخوذ من صاحبه فلا حق له فيه؛ لأنه غير مالك للعقار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) [أبوداود:3075]؛ وكذلك أنتم لا حق لكم فيه ؛ لأنكم استرجعتم عقاركم، ولا يجمع لأحد بين العِوَض والمُعَوَّض.
ولكم الحق في أجرة المثل، عن المدة التي استولى فيها على العقار، إن كان قد سكنه، أو استغله فعلًا، على أن تتم المطالبة به عن طريق قنوات الدولة الرسمية، قال ابن القاسم رحمه الله: “كل ربع اغتصبه غاصب فسكنه أو اغتله أو أرضا فزرعها، فعليه كراء ما سكن أو زرع بنفسه، وغرم ما أكراها به من غيره، ما لم يحاب، وإن لم يسكنها ولا انتفع بها ولا اغتلها فلا شيء عليه” [التهذيب في اختصار المدونة:89/4]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد الهادي كريدان
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
16/رجب/1436هـ
05/مايو/2015م