بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4821)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
عمري اثنان وسبعون عامًا، أصبت بورم في الحنجرة قبل ثلاثين سنة، استؤصلت حنجرتي بسببه؛ ففقدت القدرة على الكلام، ثم أجريت عملية جراحية لعمل ثقب في الرقبة، لتثبيت جهاز يمكنني من الكلام بشكلٍ مفهوم، لكن لعدم قدرتي على المراجعة الطبية بسبب ظروف جائحة كورونا في السنوات الأخيرةِ، تأثرتْ فتحة الرقبة الخاصة بالجهازِ، مما اضطرني لنزعه، وفقدت بذلك القدرة على الكلام مجددًا، وخلال العامين الماضيين عانيت من اضطراب في وظائف الغدد الدرقية واللعابية واللمفاوية، مما أدى خلال الشهور الأخيرة إلى آلام في جهة اللسان والفك، وضيقٍ في فتحة البلعومِ، وعدم قدرة على التحكم في اللعاب، فأصبحت غير قادر على مضغ الطعام والبلع، وصرت أعتمد على تناول السوائل والأطعمة السائلة، وفقدت عشرة كيلوجرام من وزني، وقد قمت بمراجعة الطبيب المختص قبل أسبوعينِ، فأوضح لي صعوبة إجراء أي تدخل جراحي لعلاج الحالة في الوقت الحالي، ووصف لي بعض الأدوية التي بدأتُ استخدامها، فهل يجوز لي الفطر خلال شهر رمضان، خشيةَ تدهور وضعي الصحي؟ وهل تكون الفدية نقدًا أم بالإطعام؟ وما مقدارها نقدًا؟ وكيف تخرج طعامًا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن المرض عذر من الأعذار التي تبيح الفطر في رمضان، قال تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُمْ مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]، والمرض الذي يبيح الفطر، هو الذي يزيد بالصوم أو يُخشى بسبب الصوم تباطؤُ برئهِ، أو حصول مشقة كبيرة، ويعلم ذلك من خلال المريض نفسه بالتّجربة أو بإخبار الطبيب، ويحرم الصوم على المريض إذا كان الصوم يؤدي إلى تدهور حالته الصحية ويعرّضه للخطر، قال الخرشي رحمه الله: “وَجَازَ الْفِطْرُ بِسَبَبِ َمَرَضٍ خَافَ زِيَادَتَهُ، وَمِنْهُ حُدُوثَ عِلَّةٍ، أَوْ تَمَادِيَهُ بِالصَّوْمِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، أَيْ: زِيَادَةَ نَوْعِهِ، بِأَن تَحْدُثَ لَهُ عِلَّةٌ أُخْرَى، فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ، أَوْ أَنْ يَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِفْطَارُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ … لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]، فَمُجَرَّدُ الْخَوْفِ كَافٍ فِي وُجُوبِ الْفِطْرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَخُوفِ مِنْهُ وَهْوَ الْهَلَاكُ، أَوْ شَدِيدُ الْأَذَى”[شرح الخرشي على مختصر خليل: 2/261].
وعليه؛ فإذا أخبرك الطبيب الثقة أنّ الصيام يضرك، فيجبُ عليك الفطر، والتقيد بتعليمات الطبيب، وإذا كان هذا المرض ملازمًا تعجز معه عن القضاء، فيستحب لك أن تطعم مسكينًا عن كل يوم تفطره؛ لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) [البقرة: 184]، والإطعام يكون بِمُدٍّ مِن القوتِ؛ من الأَرز أو القمحِ ونحوه، عن كلّ يومٍ لمسكين، والمدُّ مِن الأرز وزنُه نصفُ كيلو جرام تقريبًا، وجوَّز بعضُ أهلِ العلمِ إخراج القيمةِ عن الفدية بدلَ القوتِ، إذا كان فيها مصلحةٌ للفقيرِ، وقيمتها أربعة دنانير ليبية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26//شعبان//1443هـ
29//03//2022م