بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4826)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
دلني سمسار عن طريق الهاتف على قطعة أرضٍ معروضةٍ للبيع، لكن لعدمِ رغبتي في تلكَ الأرضِ لم أُعرْ ذلكَ أي اهتمام، وصرفتُ النظر عنها إلى أنِ التقيتُ بسمسار آخر، وعرضَ عليّ شراءَ الأرض نفسها أكثر مِن مرّة، فأخبرته أني على علم بها، لكن لا رغبةَ لي في شرائها، لكنّه استمر يحفزني على شرائها، ويلحّ عليّ في ذلك، مع مساومته للبائعِ والجِدِّ في تخفيضِ سعرِها، وقد أفلحَ في ذلكَ فأتممنا الصفقةَ، وأخبرني البائعُ أنه سيدفعُ ثمن السمسرة للسمسارِ الأخيرِ؛ لأنه كان الوسيطَ المباشر بين البائع والمشتري، وبعد ستةِ أشهر علم السمسارُ الأول بالبيعِ، فجاءَ يطالبُ بأجرتهِ، فهلْ يحقّ له ذلكَ، أم يختصُّ بها السمسار الثاني؟ علمًا أنّ السمسارَ الأول لم يكنْ بيني وبينه أي تواصلٍ بشأنِ الأرضِ المذكورةِ، إلّا مِن خلال تلك المكالمةِ في أولِ الأمر.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ السمسرةَ على بيع سلعةٍ مقابل جزءٍ من ثمنها يعدّ مِن قبيل الجعالةِ، ولا يستحقُّ المجاعَل ما اتُفق عليه إلا بعد إتمامِ العمل، فإذا أتمّ العملَ شخصٌ آخر وكان قد انتفع من عمل الأولِ بشيءٍ، قُسم الجعل بينهما بقدرِ ما عمله كلٌّ منهما، وإن لم ينتفع الثاني من عمل الأولِ فإنّ الجعلَ يكونُ كلُّه للثاني، قال ابنُ رشدٍ رحمه الله: “وَممّا يُشبِهُ هَذَا الدّلالُ يُجعَلُ لَهُ الجُعلُ عَلَى بَيعِ الرَّأسِ مِن الرَّقيقِ فَيسوِّقُه، ثُمّ يَبيعُهُ صاحبُهُ بِغيرِ حَضرَتِهِ، وَلو بَاعهُ لَهُ دَلّالٌ آخرُ بِجُعلٍ أَخذَهُ مِنهُ؛ لَوجَبَ أَن يَكونَ الجُعلُ بَينَ الدلَّالِ الأوَّلِ وَالثانِي عَلى قَدْرِ عَنائِهِمَا؛ لِأَنَّ الدلَّالِ الثَّانِي هوَ المُنتَفعُ بِتَسوِيقِ الأَوّلِ دُونَ صَاحِبِ السِّلعَةِ؛ إِذْ قَد أدَّى إِلَى الثَّانِي جُعلًا كَامِلًا لَمْ يَنْحَطَّ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ الأَوَّلِ، وَذلِكَ عَلى قِياسِ مَا وَقعَ فِي سَماعِ عِيسَى مِن كِتابِ اللقطَةِ، فِي الرَّجلِ يَجعلُ لِلرَّجلِ الجُعلَ فِي طَلبِ عَبدٍ أبقَ فيجدُهُ، ثُمَّ يَأتِي بهِ فَينْفلِتُ مِنهُ وَيَذهبُ، وَيَجعَلُ صاحبُهُ عَليهِ جُعلًا آخرَ لِرجُلٍ آخرَ فَيَأتِي بِهِ، أَنّهُ إنْ كانَ أَفلتَ بَعيدًا مِن مَكانِ سيّدِهِ، فَالجُعلُ كلهُ للثَّانِي وَلَا شَيءَ لِلأوّلِ، وإنْ كانَ أفلَتَ قريبًا مِن مَكانِ سيِّدِهِ، فَالجُعلُ بَينَهُما عَلى قَدرِ شُخوصِ كلِّ واحدٍ مِنهُمَا بِمَا يَرَى”[البيان والتحصيل: 8/438].
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤالِ، وأن النية من المشتري لم تتجه إلى شراء الأرض عندما دلّه عليها الدلال الأول، وأن المعاملة كلها من أول ما اتجهت نية المشتري إلى الشراء إلى أن تمت المعاملة كانت عن طريقِ السمسار الثاني، ولم يحصلْ نفعٌ مِن عملِ السمسارِ الأول، فإن الجعل كلَّه من حقّ السمسار الثاني، أما إن حصل نفع من دلالة السمسار الأول بأن اتجهت النية من المشتري إلى الشراء بعد دلالته على الأرض من الأول، ولكن لم يكن متشجعا لغلاء الثمن مثلا، واستطاع السمسار الثاني أن يقنعه بالشراء بعد أن خفض له من السعر فإن السمسار الأول في هذه الحالة له من الجعل بقدر جهده منسوبا إلى عمل الثاني، واللهُ أعلمُ.
وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عصام بن علي الخمري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
04//رمضان//1443هـ
05//04//2022م